المقال الثانى من سلسلة التفسير -كلام الله القديم المقال الثانى
من سلسلة التفسير
2-كلام الله القديم
...بيّن الله ورسوله
أن القرآن المسموع كلام الله لا كلام أحد من المخلوقين، والناس يقرؤونه بأصواتهم،
فمن قال:
إن هذا القرآن المسموع ليس هو كلام الله، أو هو كلام القارئين
كان فساد قوله معلومًا بالضرورة شرعًا وعقلاً،
كما أن من قال:
إن هذا الصوت المسموع ليس هو صوت العبد أو هو صوت الله،
كان فساد قوله معلومًا بالضرورة شرعًا وعقلا،
بل هذا هو كلام الله لا كلام غيره، سمعه جبريل من الله، وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل، وسمعه المسلمون من نبيهم، ثم بلغه بعضهم إلى بعض، وليس لأحد من الوسائط فيه إلا التبليغ بأفعاله وصوته، لم يحدث منهم أحد شيئًا من حروفه، ولا نظمه، ولا معانيه، بل جميع ذلك كلام الله ـ تعالى.
القول الخامس:
قول الهشامية والكرامية ومن وافقهم:
أن كلام الله حادث قائم بذات الله بعد أن لم يكن متكلمًا بكلام، بل ما زال عندهم قادرًا على الكلام، وهو عندهم لم يزل متكلمًا؛ بمعنى أنه لم يزل قادرًا على الكلام، وإلا فوجود الكلام عندهم في الأزل ممتنع، كوجود / الأفعال عندهم، وعند من وافقهم من أهل الكلام،
كالمعتزلة وأتباعهم وهم يقولون:
إنه حروف وأصوات حادثة بذات الرب، بقدرته ومشيئته.
ولا يقولون:
إن الأصوات المسموعة، والمداد الذي في المصحف قديم، بل يقولون: إن ذلك محدث.
القول السادس:
قول الجمهور وأهل الحديث وأئمتهم: إن الله ـ تعالى ـ لم يزل متكلما إذا شاء، وأنه يتكلم بصوت، كما جاءت به الآثار، والقرآن وغيره من الكتب الإلهية. كلام الله تكلم الله به بمشيئته وقدرته، ليس ببائن عنه مخلوقًا. ولا يقولون: إنه صار متكلمًا بعد أن لم يكن متكلمًا، ولا أن كلام الله ـ تعالى ـ من حيث هو هو حادث، بل ما زال متكلمًا إذا شاء، وإن كان كلم موسى وناداه بمشيئته وقدرته، فكلامه لا ينفد،
كما قال تعالى:
قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا
[الكهف:109].
ويقولون:
ما جاءت به النصوص النبوية الصحيحة، ودلت عليه العقول الزكية الصريحة، فلا ينفون عن الله ـ تعالى ـ صفات الكمال ـ سبحانه وتعالى ـ فيجعلونه كالجمادات التي لا تتكلم، ولا تسمع ولا تبصر، فلا تكلم عابديها، ولا تهديهم سبيلا، ولا ترجع إليهم قولاً ولا تملك لهم ضرًا ولا نفعًا.
/ ومن جعل كلام الله لا يقوم إلا بغير الله
كان المتصف به هو ذلك الغير،
فتكون الشجرة هي القائلة لموسى:
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ
[طه:14]؛
ولهذا اشتد نكير السلف على من قال ذلك، وقالوا:
هذا نظير قول فرعون:
فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى
[النازعات:24]
أي: هذا كلام قائم بغير الله؛
ولهذا صرح بحقيقة ذلك الاتحادية- كابن عربي ونحوه ـ الذين يقولون:
وكل كلام في الوجود كلامه ** سواء علينا نثره ونظامه
وأهل هذا القول ـ الموافقون للسلف والأئمة
ـ لا يقولون:
إن الرب كان مسلوبا صفات الكمال في الأزل، وأنه كان عاجزًا عن الكلام حتى حدث له قدرة عليه، كالطفل.
والذين يقولون:
إن القرآن مخلوق يجعلون الكلام لغيره، فيسلبونه صفات الكمال، ويقولون:
إنه لا يقدر على الكلام في الأزل، لا على كلام مخلوق ولا غيره.
وهم إن لم يصرحوا بالعجز عن الكلام في الأزل فهو لازم لقولهم. والكرامية فروا من الأول، وجعلوه متكلما بكلام يقوم به، لكن لم يجعلوه متكلما في الأزل، بل ولا قادرًا على الكلام في الحقيقة في الأزل.