المقال الثانى عشر من سلسلة العقيدة -التوسل والوسيلة والاستشفاع المقال الثانى عشر
من سلسلة العقيدة
التوسل والوسيلة والاستشفاع
قال شيخ الاسلام احمد بن تيمية رحمه الله تعالى
...والتوسل إلى اللّه بغير نبينا صلى الله عليه وسلم ـ سواء سُمِّىَ أو لم يُسَمَّ ـ لا نعلم أحدًا من السلف فعله، ولا روى فيه أثرًا،
ولا نعلم فيه إلا ما أفتى به الشيخ من المنع،
وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم،
ففيه حديث في السنن، رواه النسائي والترمذى وغيرهما:
أن أعرابيًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول اللّه، إني أصبت في بصرى فادع اللّه لى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
(توضأ وصلِّ ركعتين، ثم قل: اللّهم أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد، يا محمد، إني أتَشَفَّع بك في ردّ بَصَرى. اللّهم شَفِّع نبيك في)، وقال: (فإن كانت لك حاجة فمثل ذلك) فرد اللّه بصره.
فلأجل هذا الحديث استثنى الشيخ التوسل به.
وللناس في معنى هذا قولان:
أحدهما:
أن هذا التوسل هو الذي ذكر عمر بن الخطاب ـ رضي اللّه عنه ـ لما قاله:
كنا إذا أجْدَبْنَا نتوسل بنبينا إليك فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فقد ذكر عمر ـ رضي الله عنه ـ :
أنهم كانوا يتوسلون به في حياته في الاستسقاء، ثم توسلوا بعمه العباس بعد موته، وتوسلهم / به استسقاؤهم به، بحيث يدعو ويدعون معه، فيكون هو وسيلتهم إلى اللّه،
وهذا لم يفعله الصحابة بعد موته ولا في مغيبه،
والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مثل هذا شافعًا لهم، داعيا لهم؛
ولهذا قال في حديث الأعمى:
اللّهم فشفعه في،
فعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم شفع له، فسأل اللّه أن يشفعه فيه.
والثاني:
أن التوسل يكون في حياته، وبعد موته، وفي مغيبه وحضرته،
ولم يقل أحد:
إن من قال بالقول الأول فقد كفر،
ولا وجه لتكفيره، فإن هذه مسألة خفية، ليست أدلتها جلية ظاهرة،
والكفر إنما يكون بإنكار ما علم من الدين ضرورة، أو بإنكار الأحكام المتواترة والمجمع عليها، ونحو ذلك.
واختلاف الناس فيما يشرع من الدعاء وما لا يشرع، كاختلافهم:
هل تشرع الصلاة عليه عند الذبح؟
وليس هو من مسائل السب عند أحد من المسلمين.
وأما من قال:
إن من نفي التوسل الذي سماه استغاثة بغيره كفر، وتكفير من قال بقول الشيخ عز الدين وأمثاله،
فأظهر من أن يحتاج إلى جواب،
بل المُكَفِّر بمثل هذه الأمور، يستحق من غليظ العقوبة والتعزير ما يستحقه أمثاله، من المفترين على الدين،
لا سيما مع قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(من قال لأخيه: كافر فقد باء بها أحدهما).
وأما من قال:
ما لا يقدر عليه إلا اللّه لا يستغاث فيه إلا به،
فقد قال الحق،
بل لو قال كما قال أبو يزيد:
استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق،
وكما قال الشيخ أبو عبد اللّه القرشى:
استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون
لكان قد أحسن،
فإن مطلق هذا الكلام يفهم الاستغاثة / المطلقة،
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس:
(إذا سألت فاسأل اللّّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه).
وإذا نفي الرسول عن نفسه أمرًا كان هو الصادق المصدوق في ذلك،
كما هو الصادق المصدوق في كل ما يخبر به ، من نفي، وإثبات، وعلى أن نصدقه في كل ما أخبر به من نفي وإثبات، ومن رد خبره تعظيما له، أشبه النصارى، الذي ن كذبوا المسيح في إخباره عن نفسه بالعبودية، تعظيما له، ويجوز لنا أن ننفي ما نفاه، وليس لأحد أن يقابل نفيه بنقيض ذلك البتة، واللّه أعلم.