المقالة الثانية والعشرون من سلسلة الفقه المقالة الثانية والعشرون
من سلسلة الفقه
اختيارات شيخ الاسلام الفقهية
"باب ستر العورة"
اختلف عبارة أصحابنا في وجه الحرة في الصلاة فقال بعضهم:
ليس بعورة وقال بعضهم: عورة وإنّما رخص في كشفه في الصلاة للحاجة والتحقيق: أنه ليس بعورة في الصلاة وهو عورة في باب النظر إذ لم يجز النظر إليه ولا يختلف المذهب في أن ما بين السرة والركبة من الأمة عورة وقد حكى جماعة من أصحابنا أن عورتها السوأتان فقط كالرواية في عورة الرجل وهذا غلط قبيح فاحش على المذهب خصوصاً وعلى الشريعة عموماً وكلام أحمد أبعد شيء عن هذا القول ولا يصح الصلاة في الثوب المغصوب والحرير والمكان المغصوب هذا إذا كانت الصلاة فرضاً وهو أصح الروايتين عن أحمد
وإن كانت نفلاً فقال الآمدي:
لا تصح رواية واحدة
وقال أبو العباس:
أكثر أصحابنا أطلقوا الخلاف وهو الصواب لأنَّ منشأ القول بالصحة أن جهة الطاعة مغايرة لجهة المعصية فيجوز أن يثاب من وجه ويعاقب من وجه وينبغي أن يكون الذي يجر ثوبه خيلاء في الصلاة على هذا الخلاف لأن المذهب أنه حرام وكذلك مَن لبس ثوباً فيه تصاوير
قلت:
لازم ذلك أن كل ثوب يحرم لبسه يجري على هذا الخلاف وقد أشار إليه صاحب "المستوعب" والله أعلم ولو كان المصلي جاهلاً بالمكان والثوب أنه حرام فلا إعادة عليه سواء قلنا: أن الجاهل بالنجاسة يعيد أو لا يعيد لأن عدم علمه بالنجاسة لا يمنع العين أن تكون نجسة وكذا إذا لم يعلم بالتحريم لم يكن فعله معصية بل يكون طاعة وأمّا المحبوس في مكان غصب فينبغي أن لا تجب عليه الإعادة إذا صلى فيه قولاً واحداً لأن لبثه فيه ليس بمحرم ومن أصابنا من يجعل فيمن لم يجد إلا الثوب الحرير روايتين كمن لم يجد إلا الثوب النجس وعلى هذا فمن لم يمكنه أن يصلي إلا في الموضع الغصب فيه الروايتان وأولى وكذلك كل مكره الكون بالمكان النجس والغصب بحيث يخاف ضرراً من الخروج في نفسه أو ماله ينبغي أن يكون كالمحبوس وذكر ابن الزاغوني في صحة الصلاة في ملك غيره بغير أذنه إذا لم يكن محوطاً عليه وجهين وأن المذهب الصحة يؤيده أنه يدخله ويأكل ثمره فلأن يدخله بلا أكل ولا أذى أولى وأجزى والمقبوض بتعد فاسد من الثياب والعقار أفتى بعض أصحابنا بأنّه كالمغصوب سواء وعلى هذا فإنْ لم يكن المال الذي يلبسه ويسكنه حلالاً في نفسه لم يتعلق به حق الله تعالى ولا لعبادهوإلا لم تصح فيه الصلاة
وكذلك الماء في الطهارة وكذلك المركوب والزاد في الحج وهذا يدخل فيه شيء كثير وفيه نوع مشقة ومَنْ لم يجد إلا ثوباً لطيفاً أرسله على كتفه وعجزه وصلى جالساً ونص عليه أو اتزر به وصلى قائماً
وقال القاضي:
يستر منكبيه ويصلي جالساً والأول هو الصحيح
وقول القاضي ضعيف ولو صلى على راحلة مغصوبة فهو كالأرض المغصوبة
وإن صلى على فراش مغصوب فوجهان
أظهرهما البطلان ولو غصب مسجداً وغيره بأن حوله عن كونه مسجداً بدعوى ملكه أو وقفه على جهة أخرى لم تصح صلاته فيه وإن أبقاه مسجداً
ومنع الناس من الصلاة فيه في صحة صلاته فيه وجهان
اختار طائفة من المتأخرين الصحة والأقوى البطلان
ولو تلف في يده لم يضمنه عند ابن عقيل وقياس المذهب ضمانه وإن لم يجد العريان ثوباً ولا حشيشاً ولكن وجد طيناً
لزمه الاستتار عند ابن عقيل
ولا يلزمه عند الآمدي وغيره وهو الصواب المقطوع به
وقيل:
إنه المنصوص عن أحمد لأن ذلك يتناثر ولا يبقى ولكن يستحب أن يستتر بحائط أو شجرة ونحو ذلك إن أمكن وتستحب الصلاة بالنعل
وقاله طائفة من العلماء
والعبد الآبق لا يصح نفله ويصح فرضه عند ابن عقيل وابن الزاغوني
وبطلان فرضه قوي أيضاً
كما جاء في الحديث مرفوعاً وينبغي قبول صلاته
والله تعالى أمر بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة وهو أخذ الزينة فقال:
{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}
الأعراف: 31
فعلق الأمر باسم الزينة لا بستر العورة إيذاناً بأن العبد ينبغي له أن يلبس أزين ثيابه وأجملها في الصلاة