المقالة الثانية والعشرون من سلسلة التاريخ العام المقالة الثانية والعشرون
من سلسلة التاريخ العام
قصة نبى الله ادريس عليه السلام
قال الله تعالى :
واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا
[ مريم : 56 - 57 ] .
فإدريس عليه السلام قد أثنى الله عليه ، ووصفه بالنبوة والصديقية ، وهو خنوخ هذا ، وهو في عمود نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ما ذكره غير واحد من علماء النسب ،
وكان أول بني آدم أعطي النبوة بعد آدم وشيث عليهما السلام ،
وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم ،
وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة ، وثماني سنين ،
وقد قال طائفة من الناس :
إنه المشار إليه في حديث معاوية بن الحكم السلمي لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخط بالرمل فقال : إنه كان نبي يخط به فمن وافق خطه فذاك .
ويزعم كثير من علماء التسيير والأحكام :
أنه أول من تكلم في ذلك ، ويسمونه هرمس الهرامسة ، ويكذبون عليه أشياء كثيرة ، كما كذبوا على غيره من الأنبياء والعلماء والحكماء والأولياء .
وقوله تعالى :
ورفعناه مكانا عليا .
هو كما ثبت في الصحيحين في حديث الإسراء
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو في السماء الرابعة ،
وقد روى ابن جرير ، عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن جرير بن حازم ، عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن هلال بن يساف قال :
سأل ابن عباس كعبا ، وأنا حاضر ، فقال له : ما قول الله تعالى لإدريس : ورفعناه مكانا عليا ؟ قال كعب : أما إدريس فإن الله أوحى إليه أني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم لعله من أهل زمانه ، فأحب أن يزداد عملا ، فأتاه خليل له من الملائكة ، فقال : إن الله أوحى إلي كذا وكذا ، فكلم ملك الموت فليؤخرني حتى أزداد عملا فحمله بين جناحيه ، ثم صعد به إلى السماء ، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدرا فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس ، فقال : وأين إدريس ؟ قال : هو ذا على ظهري . فقال ملك الموت : فالعجب بعثت وقيل لي : اقبض روح إدريس في السماء الرابعة . فجعلت أقول : كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض ! فقبض روحه هناك ،
فذلك قول الله عز وجل :
ورفعناه مكانا عليا .
ورواه ابن أبي حاتم عند تفسيرها وعنده .
فقال لذلك الملك : سل لي ملك الموت كم بقي من عمري ؟ فسأله وهو معه كم بقي من عمره ، فقال : لا أدري حتى أنظر . فنظر فقال : إنك لتسألني عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين . فنظر الملك إلى تحت جناحه إلى إدريس فإذا هو قد قبض وهو لا يشعر ، وهذا من الإسرائيليات ، وفي بعضه نكارة ،
وقول ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله :
ورفعناه مكانا عليا .
قال : إدريس رفع ولم يمت ، كما رفع عيسى . إن أراد أنه لم يمت إلى الآن ففي هذا نظر .
وإن أراد أنه رفع حيا إلى السماء ، ثم قبض هناك فلا ينافي ما تقدم عن كعب الأحبار ، والله أعلم .
والحديث المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح
، وهو قول مجاهد ، وغير واحد .
وقال الحسن البصري :
ورفعناه مكانا عليا . قال : إلى الجنة . وقال قائلون : رفع في حياة أبيه يرد بن مهلائيل ، والله أعلم .
وقد زعم بعضهم أن إدريس لم يكن قبل نوح بل في زمان بني إسرائيل .
قال البخاري :
ويذكر عن ابن مسعود ، وابن عباس : أن إلياس هو إدريس ، واستأنسوا في ذلك بما جاء في حديث الزهري ، عن أنس في الإسراء أنه لما مر به عليه السلام قال له : مرحبا بالأخ الصالح ، والنبي الصالح . ولم يقل كما قال آدم وإبراهيم : مرحبا بالنبي الصالح ، والابن الصالح . قالوا : فلو كان في عمود نسبه لقال له كما قالا له . وهذا لا يدل ولا بد على ذلك لأنه قد لا يكون الراوي حفظه جيدا أو لعله قاله له على سبيل الهضم والتواضع ، ولم ينتصب له في مقام الأبوة ، كما انتصب لآدم أبي البشر ، وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن ، وهو أكبر أولي العزم بعد محمد صلوات الله عليهم أجمعين .