المقالة الثالثة والعشرون من سلسلة التفسير
المقالة الثالثة والعشرون
من سلسلة التفسير
فإن قال قائل
لم نقطت الباء بواحدة من تحتها هلا نقطت من فوقها ونقطت النون من تحتها مكان ذلك فرقا بينهما
قيل له
إنما نقطت بواحدة لما تقدم من قولنا إنها أول الصور الثلاث وإن التاء ثانيتها والثاء ثالثتها ولذلك نقطت التاء اثنتين والثاء ثلاثا وإنما نقطت من تحتها للزوم الكسر لها إذا كانت زائدة جارة كالتي في اول التسمية وإنما لزمها الكسر اتباعا لعملها إذ كانت لا تعمل إلا جرا فجعل نقطها موافقا لحركتها وألزما مكانا واحدا لذلك
ولهذه العلة نقط أهل المغرب الفاء من تحتها اذ كان الكسر والياء أيضا قد يلحقان بها إذا كانت جاره وحمل نقطها على ذلك في كل مكان
فإن قيل
لم نقطوا الياء باثنتين من تحتها قيل لتميز بذلك من الباء التي تنقط واحدة من تحتها ومن التاء التي تنقط اثنتين من فوقها ولمؤاخاتها في المخرج الجيم التي تنقط بواحدة من تحتها لكون لفظها مكسورا وبالله التوفيق
باب ذكر نقط الحركات المشبعات ومواضعهن من الحروف
اعلم ان الحركات ثلاث فتحة وكسرة وضمة فموضع الفتحة من الحرف أعلاه لان الفتح مستعمل وموضع الكسرة منه أسفله لان الكسر مستفل وموضع الضمة منه وسطه أو امامه لان الفتحة لما حصلت في اعلاه والكسرة في أسفله لاجل استعلاء الفتح وتسفل الكسر بقى وسطه فصار موضعا للضمة فاذا نقط قوله الحمد لله جعلت الفتحة نقطة بالحمراء فوق الحاء وجعلت الضمة نقطة بالحمراء في الدال او امامها إن شاء الناقط وجعلت الكسرة نقطة بالحمراء تحت اللام والهاء وكذلك يفعل بسائر الحروف المتحركة بالحركات الثلاث سواء كن إعرابا أو بناء او كن عوارض
وإنما جعلنا الحركات المشبعات نقطعا مدورة على هيئة واحدة وصورة متفقة ولم نجعل الفتحة ألفا مضجعة والكسرة ياء مردودة والضمة واوا صغرى على ما ذهب اليه سلف اهل العربية إذ كن مأخوذات من هذه الحروف الثلاثة دلالة على ذلك اقتداء منا بفعل من ابتدأ النقط من علماء السلف بحضرة الصحابة رضي الله عنهم واتباعا له واستمساكا بسنته إذ مخالفته مع سابقته وتقدمه لا تسوغ وترك اقتفاء أثره في ذلك
مع محله من الدين وموضعه من العلم لا يسع أحدا أتى بعده
حدثنا محمد بن علي قال نا ابو بكر بن الانباري قال نا أبي قال نا ابو عكرمة قال قال العتبي قال ابو الاسود الدؤلى
للذي امسك المصحف إذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف وإذا ضممتهما فاجعل النقطة الى جانب الحرف وإذا كسرتهما فاجعل النقطة في اسفله
قال ابو عمرو
فاتباع هذا اولى والعمل به في نقط المصاحف احق لان الذي رآه أبو الاسود ومن بحضرته من الفصحاء والعلماء حين اتفقوا على نقطها أوجه لا شك من الذي رآه من جاء بعدهم لتقدمهم ونفاذ بصريرتهم فوجب المصير الى قولهم ولزم العمل بفعلهم دون ما خالفه وخرج عنه
على أن اصطلاحهم على جعل الحركات نقطا كنقط الإعجام قد يتحقق من حيث كان معنى الإعراب التفريق بالحركات والإعجام من قولهم اعجمت الشيء إذا بينته وكان الاعجام ايضا يفرق بين الحروف المشتبهة في الرسم وكان النقط يفرق بين الحركات المختفلة في اللفظ فلما اشتركا في المعنى اشرك بينهما في الصورة وجعل الاعجام بالسواد والإعراب بغيره فرقا بين إعجام الحروف وبين تحريكها واقتصر في الاعجام أولا على النقط من حيث اريد الايجاز والتقليل لان النقط اقل ما يبين به وهذا لطيف جدا
وبالله التوفيق