المقالة الثالثة والعشرون من سلسلة الفقه المقالة الثالثة والعشرون
من سلسلة الفقه
اختيارات شيخ الاسلام احمد بن تيمية
"باب اجتناب النجاسة ومواضع الصلاة"
وجوب تطهير البدن من الخبث يحتج عليه بأحاديث الاستنجاء وحديث التنزه من البول وبقوله صلى الله عليه وسلم: "حتيه ثم اقرصيه ثم انضحيه بالماء ثم صلي فيه" من حديث أسماء وغيرها وبحديث أبي سعيد في دلك النعلين بالتراب ثم الصلاة فيهما وطهارة البقعة
يستدل عليها بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابي:
"إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول والعذرة"
وأمره بصب الماء على البول ومَنْ صلى بالنجاسة ناسياً أو جاهلاً فلا إعادة عليه
وقاله طائفة من العلماء
لأن مَن كان مقصوده اجتناب المحظور إذا فعله مخطئاً أو ناسياً لا تبطل العبادة به
وذكر القاضي في "المجرد" والأمدي:
أن الناسي يعيد رواية واحدة عن أحمد لأنه مفرط وإنّما الروايتان في الجاهل
والروايتان منصوصتان عن أحمد في الجاهل بالنجاسة
فأمّا الناسي فليس عنه نص فلذلك اختلف الطريقان
والنهي عن قربان المسجد لمن أكل الثوم ونحوه عام في كل مسجد عند عامة العلماء
وحكى القاضي عياض
أن النهي خاص بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم
ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها والنهي عن ذلك إنّما هو سد لذريعة الشرك
وذكر طائفة من أصحابنا أن القبر والقبرين لا يمنع من الصلاة لأنه لا يتناول اسم المقبرة وإنّما المقبرة ثلاثة قبور فصاعداً
وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق
بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور وهو الصواب
والمقبرة كل ما قبر فيه
لا أنه جمع قبر
وقال أصحابنا:
وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه
فهذا يعين أن المنع يكون متناً ولا لحرمة القبر المنفرد وفنائه المضاف إليه وذكر الأمدي وغيره أنه لا تجوز الصلاة فيه أي المسجد الذي قبلته إلى القبر حتى يكون بين الحائط وبين المقبرة حائل آخر
وذكر بعضهم هذا منصوص أحمد ولا تصح الصلاة في الحش ولا إليه
ولا فرق عند عامة أصحابنا بين أن يكون الحُش في ظاهر جدار المسجد أو باطنه
واختار ابن عقيل أنه إذا كان بين المصلى وبين الحش ونحوه حائل مثل جدار المسجد لم يكره
والأول هو المأثور عن السلف
والمنصوص عن أحمد والمذهب الذي عليه عامة الأصحاب كراهة دخول الكنسية المصورة فالصلاة فيها وفي كل مكان فيه تصاوير أشد كراهة وهذا هو الصواب الذي لا ريب فيه ولا شك
ومقتضى كلام الأمدي وأبي الوفاء بن عقيل:
أنه لا تصح الصلاة في أرض الخسف وهو قوي ونص أحمد لا يصلى فيها
وقال الأمدي:
ويكره في الرحى ولا فرق بين علوها وسفلها
قال أبو العباس:
ولعل هذا لما فيها من الصوت الذي يلهي المصلي ويشغله ولا تصح الفريضة في الكعبة بل النافلة وهو ظاهر مذهب أحمد
وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في البيت فإنها كانت تطوعاً فلا يلحق الفرض
لأنه صلى الله عليه وسلم صلى داخل البيت ركعتين ثم قال:
"هذه القبلة" فيشبه -والله أعلم- أن يكون ذكره لهذا الكلام في عقيب الصلاة خارج البيت بياناً لأن القبلة المأمور بإستقبالها هي البنية كلها لئلا يتوهم متوهم أن استقبال بعضها كاف في الفرض لأجل أنه صلى التطوع في البيت
وإلا فقد علم الناس كلهم أن الكعبة في الجملة هي القبلة فلا بد لهذا الكلام من فائدة وعلم شيء قد يخفى ويقع في محل الشبهة وابن عباس روى هذا الحديث وفهم منه هذا المعنى وهو أعلم بمعنى ما سمع وإنْ نذر الصلاة في الكعبة جاز كما لو نذر الصلاة على الراحة وأما إن نذر الصلاة مطلقاً اعتبر فيها شروط الفريضة لأن النذر المطلق يحذى به حذو الفرائض