المقالة السادسة والعشرون من سلسلة التفسير
المقالة السادسة والعشرون
من سلسلة التفسير
- وأما الوجه الثاني الذي يقول :
إن القرء طُهْرٌ فبه قال مالك وقال في ( الموطأ ) :
( عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت :
صدق عروة . وقد جادلها في ذلك ناس فقالوا : إن الله تعالى يقول في كتابه { ثلاثة قروء } فقالت عائشة : صدقتم وتدرون ما الأقراء ؟ إنما الأقراء الأطهار )
وقال مالك :
عن ابن شهاب سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول : ما أدركت أحداً من فقهائنا إلاّ وهو يقول ذلك يريد قول عائشة
وقال مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها .
وقال مالك :
وهو الأمر عندنا
، وروي مثله عن :
1- ابن عباس 2- وزيد بن ثابت 3- وسالم مولى أبي حذيفة 4- والقاسم
5- وعروة 6- وسليمان بن يسار 7- وأبي بكر بن عبد الرحمن 8- وأبان بن عثمان
9- وعطاء بن أبي رباح 10- وقتادة 11- والزهري 12- وبقية الفقهاء السبعة(4)
13- وهو مذهب مالك 14- والشافعي 15- وغير واحدٍ وداود وأبي ثور ، وهو رواية عن أحمد واستدلوا عليه بقوله تعالى : { فطلقوهن لعدتهن } [ الطلاق : 1 ] أي في الأطهار.
ولما كان الطهر الذي يُطَلَّق فيه محتسباً دَلّ على أنه أحد الأقراء الثلاثة المأمور بها ولهذا قال هؤلاء : إن المعتدة تنقضي عدتها وتبين من زوجها بالطعن في الحيضة الثالثة .
واستدلوا بأدلة أخرى منها حديث ابن عمر في ( الصحيحين )
أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله ? فسأل عمر بن الخطاب رسول الله ? عن ذلك فقال رسول الله ? : « مُرْهُ فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء » .
واستدلوا من العربية بقول الأعشى :
ففي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا
مورثة مالاً وهي في الحيِّ رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا
يمدح أميراً من أمراء العرب آثر الغزو على المقام حتى ضاعت أيام الطهر من نسائه لم يواقعهن فيها (6) . فعلى هذا يكون القرء طهراً .
وبالنظر في مجموع الأحاديث تبين أن القرء : حيض .
وبالنظر أيضاً نجد أن الأوفق والأرفق بالمرأة أن يكون القرء حيضاً
وإليكم هذه الصورة :
امرأة طلقها زوجها في طُهْرٍ لم يمسها فيه وهذا هو الطلاق الشرعي أن يطلقها في طهرٍ لم يمسها فيه .
أ?.
فلو كان القرء حيضاً فتكون عدتها : حيض ثم طهر ثم حيض ثم طهر ثم حيض ، وفي أول الحيضة الثالثة تنقضي العدة.
ب?. ولو كان القرء طُهْراً فتكون عدتها : حيض ثم طهر ثم حيض ثم طهر ثم حيض ثم طهر .
فلو كان القرء طهراً لطالت المدة على المرأة ومعلوم أن تقصير مدة العدة على المرأة أفضل من تطويلها . لأن طويل مدة العدة فيه نوع إعنات للمرأة في أن تنكح زوجاً غيره والشريعة لم تأت بهذا .
قال أبو عمرو بن العلاء :
( العرب تسمي الحيض قرءاً ، وتسمي الطهر قرءاً ، وتسمي الطهر والحيض جميعاً قرءاً ).
وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر :
( لا يختلف أهل العلم بلسان العرب والفقهاء أن القرء يراد به الحيض ويراد به الطهر وإنما اختلفوا في المراد من الآية ما هو على قولين )
قلت :
وقد ظهر أن القرء حيض وهو الأوفق والأرفق بالمرأة .
فهذه لفظة فيها معنيان رجحنا أحد المعنيين على الآخر وهو أن القرء حيض بالحديث . فصارت ( السنة قاضية على الكتاب ) فليس في العبارة ما يُسْتَنْكَرَ
لكن كما قلت :
الجاهل عدو نفسه .