مامعنى التسبيح، كيف نسبح الله حقاً، ومتى يذكر التسبيح في القرآن الكريم؟
هل تعلم أن جميع المخلوقات تسبح الله بصدق وبني آدم غير صادق في تسبيحه..؟؟!!


مدخل:
قال تعالى حكاية عن الملائكة
 قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) ا
 حينما وقع من الملائكة استفهاما حول ماسيخلق الله من بني آدم ظنا منهم أن هذا الإنسان سيسفك الدماء ويفسد في الأرض
، (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَالا تَعْلَمُون)
قال الله‏:‏ ‏{‏يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ أسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة‏;‏ فعجزوا عنها، ‏{‏ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ‏}
‏ تبين للملائكة فضل آدم عليهم‏;‏ وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة‏ فأراد الله تعالى‏,‏ أن يبين لهم من فضل آدم‏,‏ ما يعرفون
 به فضله‏,‏ وكمال حكمة الله وعلمه فـ ‏{‏عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ‏}‏ أي‏:‏ أسماء الأشياء ‏{‏ثُمَّ عَرَضَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ عرض المسميات ‏{‏عَلَى الْمَلَائِكَةِ‏
}‏ امتحانا لهم‏,‏ هل يعرفونها أم لا‏؟‏‏.‏ ‏{‏فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ في قولكم وظنكم‏,‏ أنكم أفضل من هذا الخليفة‏.‏
 ‏{ ‏قَالُوا سُبْحَانَكَ‏}‏ أي‏:‏ ننزهك من الاعتراض منا عليك‏,‏ ومخالفة أمرك‏.‏ ‏{‏لَا عِلْمَ لَنَا‏}‏ بوجه من الوجوه ‏{‏إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا‏}‏ إياه‏,‏ فضلا منك وجودا،
‏{‏إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ‏}‏ العليم الذي أحاط علما بكل شيء‏,‏ فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السموات والأرض‏,‏ ولا أصغر من ذلك ولا أكبر‏.‏ الحكيم‏:‏ من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق‏,‏ ولا يشذ عنها مأمور، فما خلق شيئًا إلا لحكمة‏:‏ ولا أمر بشيء إلا لحكمة، والحكمة‏:‏
 وضع الشيء في موضعه اللائق به، فأقروا‏,‏ واعترفوا بعلم الله وحكمته‏,‏ وقصورهم عن معرفة أدنى شيء، واعترافهم بفضل الله عليهم‏;
‏ وتعليمه إياهم ما لا يعلمون‏.‏ الملائكة نزهت فعل الله سبحانه أما ابليس تكبر ورفض السجود لآدم فاستحق اللعن والطرد والإبعاد من رحمة الله..

التسبيح:
هو: أن يأتيك خاطر سيء في حق الله تعالى فتدفعه وتنزه الله تعالى ، أن الله سبحانه بعيد كل البعد أن يكون في فعله نقص .
حينما تنظر للمرآة ولم يعجبك شيء في مظهرك فاتهم عينك ونزه الله سبحانه أن يكون في خلقه نقص أو عيب ، فقد أقسم سبحانه بأربعة أمور
 (وَالتِّينِ ) (وَالزَّيْتُونِ) (وَطُورِ سِينِينَ) (وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ) أقسم على أن خلقه للإنسان لا عيب فيه (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)
.فقل:سبحان الله.
حينما تنظر للحالة المعيشية التي أنت فيها ونظرت لغيرك ووجدت أنه أفضل حالة منك فلا تعترض على قسمة الله تعالى
 (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ونزه الله سبحانه أن لا يكون في قسمته عدل . وقل:سبحان الله.
هل علمت الآن أن جميع المخلوقات تسبح الله بصدق وأنت أيها العبد غير صادق في تسبيحك !!
هل علمت الآن معنى أن تسبح الله ..
أي تنزهه سبحانه وتنزه أفعاله أن يكون فيه نقص أو عيب.
هو حكيم يضع الأمور في مواضعها ، هو خبير يعلم بمصالح العباد وخفاياهم، هو عليم يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
، فكيف لك أيها العبد الضعيف أن تتهم فعله بالنقص وتعترض على قضائه سبحانه في هيئتك في معيشتك في ما رزقك في أولادك في زوجتك
 ، والله ما يسمى هذا بتسبيح صادق ، إنما التسبيح الصادق أن تنزه أفعال الله سبحانه عن ظنك السيء فيها وأنه سبحانه وضع الأمور في مواضعها ..

حالنا مع التنزيه::
نجد في الغالب الناس ينزهون الله سبحانه في أسمائه وصفاته فيثبتون أسمائه كما وردت في الكتاب والسنة بلا تكييف ولا تعطيل
ولا تمثيل ولا تشبيه تنزيها يليق بجلاله وعظمته ، أما في أفعاله سبحانه فقليل جداً من ينزه الله في أفعاله.
فحينما تستخير الله سبحانه في أمر ما تريده ثم تجد أن هذا الأمر لم يتحقق ، هنا انظر لقلبك وقل سبحان الله وإياك أن تنسب
 لاختياره فيما قضى لك نقصاً أو تتهمه في اختياره وإياك أن يدخل قلبك : لم يارب؟ فهذه عين الجحود.
وحينما تدعو الله صبح مساء أن يشفي فلان من الناس ثم يأتي اتصال أن فلاناً مات ؟؟هنا انظر لقلبك وقل سبحان الله ونزه فعله
 سبحانه عن النقص فما قضاه خيراً علمنا أو جهلنا ..

التسبيح يأتي للتنزيه::
حينما نتأمل في كتاب الله تعالى في مواطن ذكر التسبيح نجد أن التسبيح يأتي لتنزيه الله سبحانه عن أفعال النقص
ولإثبات صفة من صفات المدح ونفي صفة من صفات الذم، فالتسبيح أن يأتي خاطر في ذهنك يوصف فعل الله تعالى
 بالنقص والعيب فتبعده عن ذلك فلا يقع في خاطرك أن هذا الفعل فيه نقص ،كيف أدعو ولا يستجاب،لم أنا هكذا
وغيري هكذا، فلان عنده الكثير من كذا وكذا، هنا تتنبه وتقف حارساً لقلبك مما يوهم النقص في فعل الله تعالى.
قال تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) القصص (68)
- حينما يقع في ذهنك لم حالي هكذا أو لم رزقت بهذا الولد أو هذه الفتاة أو لم أنا لا أنجب أطفالاً تذكر
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ )، ثم نزه الله سبحانه عما تعرض له القلب سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)
 وقال تعالى: (وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ
 رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ) (14)الزخرف
هذه الآية تدفع عنك التوهم أنك تركب الأنعام بقدرتك أو بقدرة الأنعام بل هذه الدواب والأنعام لو لم يسخرها الله لك
 ما ركبتها ولم تذللها مثل الأسد والنمر ونحوه، فهنا نعترف أن هذه النعمة من الله ولولا أن الله سخر لنا هذا لما ركبناها.


التسبيح الصادق: أن تنزه الله سبحانه وأفعاله وصفاته وأسمائه و لو أن العين لم ترى تحقيق الوعد إيماناً بصدق الله ووعده سبحانه .
(وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً) الإسراء (108)
فيا أيها العبد المؤمن هل أنت تسبح الله سبحانه صادقاً من قلبك مؤمنا بوعده ووعيده راضياً بقضائه وقدره؟
هل تنزه أفعاله سبحانه عن النقائص والمعائب؟
هل تؤمن بأن كل ماقاله الله صدقاً وتطبق ذلك في حياتك؟
هل حققت تقوى الله سبحانه إيماناً بقوله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق(2)
هذا وعد من الله لمن اتقاه أن يجعل له مخرجاً مهما ضاقت عليه الحياة سيكون هناك مخرج للمتقين،
هل آمنت بوعده سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ) المجادلة (11)،
هل آمنت بوعده سبحانه ( ما نَقَصَتْ صَدقَةٌ من مالٍ، وما زاد اللَّه عَبداً بِعَفوٍ إِلاَّ عِزّاً، ومَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ )
 رواه مسلم. هل تواضعت إيماناً بوعده سبحانه هنا التسبيح الصادق يقع إيماناً بوعود الله سبحانه ولو أن العين لم ترى تقرير
الوعد. فسبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك .

همسة:
تسبيح الله وتقديسه يكون بتبرئته وتنزيهه عن كل سوء وعيب مع إثبات المحامد وصفات الكمال له سبحانه وتعالى.


متى يذكر التسبيح في القرآن الكريم؟
يذكر التسبيح غالباً حينما يقع اتهام للرب سبحانه بنقص أو عيب فيأتي التسبيح مباشرة تنزيها لله سبحانه وتعالى
 عن هذا النقص ومن أمثلة ذلك ما ورد في الآيات التالية:
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) القصص (68)
تنزيه الله سبحانه عن خاطر نقص وقع في القلب أن يقع في ذهنك لم اختار الله كذا وكذا..
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ا
لإسراء (1)
تنزيه الله سبحانه في حادثة الإسراء والمعراج حينما لم يصدق الكفار النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحادثة أن هذه الأفعال العظيمة
لا يقدر عليها إلا الله.
(وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً (91)
 أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ
 وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً) (93)
تنزيه لله سبحانه عن أهوائهم الفاسدة وآرائهم الضالة ، فهم طلبوا علامات تثبت أن النبي محمداً رسول من عند الله تعالى
 فجاء تنزيه الله سبحانه وتعالى أن يكون اختيار الإعجاز والمعجزة أن تكون على أهوائهم.
(مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (91)
وهنا جاء تنزيه الله سبحانه عن الشريك والولد .
ونحن إيماناً بهذه الآيات العظيمة حينما يأتيك خاطر يصف فعل الله بالنقص فنزه الله وقل : سبحان الله.

الخاتمة:
روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي قال :"يأكل أهل الجنة فيها ويشربون
 ، ولا يتمخطون ، ولا يتغوطون ، ولا يبولون ، ويكون طعامهم ذلك جشاء ورشحا كرشح المسك يلهمون التسبيح
والحمد كما يلهمون النفس ) وفي رواية : ( التسبيح والتكبير كما تلهمون )
 بالتاء ، أي تسبيحهم وتحميدهم يجري مع الأنفاس كما تلهمون أنتم النفس " انتهى من "حادي الأرواح" ص 285

هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتابة : محبوبة
المرجع: محاضرةللأستاذة:آمنة حماد – بعنوان : التسبيح والتحميد ومواطن ذكرها في القرآن .