المقالة الثانية والتسعون من سلسلة السيرة النبوية 2-غزوة مؤتة المقالة الثانية والتسعون
من سلسلة السيرة النبوية
2-غزوة مؤتة
قال ابن اسحاق:
ثم مضوا حتى نزلوا معانا من أرض الشام، فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب، من أرض البلقاء
في مائة ألف من الروم،
وانضم إليه من لخم وجذام والقين وبهراء وبلى
مائة ألف منهم
عليهم رجل من بلى، ثم أحد أراشة يقال له مالك بن رافلة،
وفي رواية يونس عن ابن إسحاق
فبلغهم أن هرقل نزل بمآب
في مائة ألف من الروم ومائة ألف من المستعربة،
فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون في أمرهم،
وقالوا:
نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا،
فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره، فنمضي له،
قال:
فشجع الناس عبد الله بن رواحة
وقال:
يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة،
قال فقال الناس:
قد والله صدق ابن رواحة، فمضى الناس،
فقال عبد الله بن رواحة في محبسهم ذلك:
جلبنا الخيل من أجأ وفرع * تعر من الحشيش لها العكوم
حذوناها من الصوان سبتا * أزل كأن صفحته أديم
أقامت ليلتين على معان * فأعقب بعد فترتها جموم
فرحنا والجياد مسومات * تنفس في مناخرها سموم
فلا وأبي مآب لنأتينها * وإن كانت بها عرب وروم
فعبأنا أعنتها فجاءت * عوابس والغبار لها يريم
بذي لجب كأن البيض فيه * إذا برزت قوانسها النجوم
فراضية المعيشة طلقتها * اسنتنا فتنكح أو تئيم
ثم قال عبد الله بن رواحة في بعض سفره ذلك وهو يرتجز.
يا زيد زيد اليعملات الذبل * تطاول الليل هديت فانزل
قال ابن اسحاق:
ثم مضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف، ثم دنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة، فالتقى الناس، عندها فتعبي لهم المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة يقال له قطبة بن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلا من الانصار يقال له عباية بن مالك.
قال ابن اسحاق ثم التقى الناس فاقتتلوا، فقاتل
زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم، ثم أخذها جعفر فقاتل القوم حتى قتل، فكان جعفر أول المسلمين عقر في الاسلام.
وقال ابن اسحاق:
وحدثني يحيى بن عباد ابن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد، حدثني أبي الذي ارضعني وكان أحد بني مرة بن عوف، وكان في تلك الغزوة غزوة مؤتة قال:
والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها
ثم قاتل القوم حتى قتل وهو يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها * طيبة وباردا شرابها
والروم روم قد دنا عذابها * كافرة بعيدة أنسابها *
علي إن لاقيتها ضرابها
وهذا الحديث قد رواه أبو داود من حديث أبي اسحاق
ولم يذكر الشعر،
وقد استدل من جواز قتل الحيوان خشية أن ينتفع به العدو
كما يقول أبو حنيفة في الاغنام إذا لم تتبع في السير، ويخشى من لحوق العدو وانتفاعهم بها أنها تذبح وتحرق ليحال بينهم وبين ذلك والله أعلم.
قال السهيلي:
ولم ينكر أحد على جعفر، فدل على جوازه إلا إذا أمن أخذ العدو له ولا يدخل ذلك في النهي عن قتل الحيوان عبثا.