السادسة من سلسلة قراءة فى كتاب زاد المعاد فى هدى خيرالعباد السادسة
من سلسلة قراءة فى كتاب
زاد المعاد فى هدى خيرالعباد
تأليف شيخ الاسلام
محمد بن ابى بكر ايوب الزرعى الدمشقى
الشهير بابن قيم الجوزية691-751هجرية
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصِّيَامِ]
َصْلٌ في ثُبُوتُ رَمَضَانَ
فَصْلٌ
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إِلَّا بِرُؤْيَةٍ مُحَقَّقَةٍ، أَوْ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، كَمَا صَامَ بِشَهَادَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَصَامَ مَرَّةً بِشَهَادَةِ أَعْرَابِيٍّ، وَاعْتَمَدَ عَلَى خَبَرِهِمَا، وَلَمْ يُكَلِّفْهُمَا لَفْظَ الشَّهَادَةِ.
*فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إِخْبَارًا، فَقَدِ اكْتَفَى فِي رَمَضَانَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ،
*وَإِنْ كَانَ شَهَادَةً، فَلَمْ يُكَلِّفِ الشَّاهِدَ لَفْظَ الشَّهَادَةِ.
*فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُؤْيَةٌ وَلَا شَهَادَةٌ أَكْمَلَ عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا.
[بحث في صوم يوم الشك]
وَكَانَ إِذَا حَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ دُونَ مَنْظَرِهِ غَيْمٌ أَوْ سَحَابٌ أَكْمَلَ عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَهُ.
وَلَمْ يَكُنْ يَصُومُ يَوْمَ الْإِغْمَامِ وَلَا أَمَرَ بِهِ، بَلْ أَمَرَ بِأَنْ تُكَمَّلَ عِدَّةُ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ إِذَا غُمَّ،
وَكَانَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ، فَهَذَا فِعْلُهُ وَهَذَا أَمْرُهُ، وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا قَوْلَهُ:
( «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» )
فَإِنَّ الْقَدْرَ هُوَ الْحِسَابُ الْمُقَدَّرُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِكْمَالُ كَمَا قَالَ:
( «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» ) ،
وَالْمُرَادُ بِالْإِكْمَالِ
إِكْمَالُ عِدَّةِ الشَّهْرِ الَّذِي غُمَّ،
كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ:
( «فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ» ) .
وَقَالَ
( «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» ) .
وَالَّذِي أَمَرَ بِإِكْمَالِ عِدَّتِهِ هُوَ الشَّهْرُ الَّذِي يُغَمُّ، وَهُوَ عِنْدَ صِيَامِهِ وَعِنْدَ الْفِطْرِ مِنْهُ،
وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ:
( «الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» ) .
وَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ بِلَفْظِهِ وَإِلَى آخِرِهِ بِمَعْنَاهُ، فَلَا يَجُوزُ إِلْغَاءُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ، وَاعْتِبَارُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى. وَقَالَ:
( «الشَّهْرُ ثَلَاثُونَ، وَالشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ» ) .
وَقَالَ:
( «لَا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَتْ دُونَهُ غَمَامَةٌ فَأَكْمِلُوا ثَلَاثِينَ» ) .
وَقَالَ:
( «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» ) .
وَقَالَتْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
( «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَفَّظُ مِنْ هِلَالِ شَعْبَانَ مَا لَا يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ صَامَ» ) .
صَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ.