السابعة من سلسلة قراءة فى كتاب زاد المعاد فى هدى خيرالعباد السابعة
من سلسلة قراءة فى كتاب
زاد المعاد فى هدى خيرالعباد
تأليف شيخ الاسلام
محمد بن ابى بكر ايوب الزرعى الدمشقى
الشهير بابن قيم الجوزية691-751هجرية
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصِّيَامِ]
تتمة
َ3- في ثُبُوتُ رَمَضَانَ
وَقَالَ:
( «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا ثَلَاثِينَ» ) .
وَقَالَ:
( «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» ) .
وَقَالَ:
( «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ. وَفِي لَفْظٍ: لَا تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا رَجُلًا كَانَ يَصُومُ صِيَامًا فَلْيَصُمْهُ» ) .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْإِغْمَامِ دَاخِلٌ فِي هَذَا النَّهْيِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ:
( «لَا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَتْ دُونَهُ غَمَامَةٌ فَأَكْمِلُوا ثَلَاثِينَ» ) .
ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ".
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ الْإِغْمَامِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَلَا إِكْمَالِ ثَلَاثِينَ صَوْمٌ قَبْلَ رَمَضَانَ.
وَقَالَ:
( «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ إِلَّا أَنْ تَرَوُا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» ) .
وَقَالَ:
( «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا» ) .
قَالَ الترمذي:
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَفِي النَّسَائِيِّ:
مِنْ حَدِيثِ يونس، عَنْ سماك، عَنْ عكرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ:
( «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صُومُوا، وَلَا تَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ عِدَّةَ شَعْبَانَ» ) .
وَقَالَ سماك: عَنْ عكرمة: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
( «تَمَارَى النَّاسُ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْيَوْمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: غَدًا. فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَنَّهُ رَآهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ: صُومُوا ". ثُمَّ قَالَ: " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صُومُوا، وَلَا تَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا» )
.
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ صَحِيحَةٌ، فَبَعْضُهَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَبَعْضُهَا فِي " صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ " والحاكم وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ أُعِلَّ بَعْضُهَا بِمَا لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِمَجْمُوعِهَا، وَتَفْسِيرِ بَعْضِهَا بِبَعْضِ، وَاعْتِبَارِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَكُلُّهَا يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا،
وَالْمُرَادُ مِنْهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ:
فَإِذَا كَانَ هَذَا هَدْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ خَالَفَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، ومعاوية، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، والحكم بن أيوب الغفاري، وعائشة وأسماء ابْنَتَا أبي بكر، وَخَالَفَهُ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ومجاهد، وطاووس، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَمُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ،
وَكَيْفَ خَالَفَهُ إِمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ،
وَنَحْنُ نُوجِدُكُمْ أَقْوَالَ هَؤُلَاءِ مُسْنَدَةً؟
فَأَمَّا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: أَخْبَرَنَا ثَوْبَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مكحول،
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَصُومُ إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مُغَيَّمَةً،
وَيَقُولُ:
لَيْسَ هَذَا بِالتَّقَدُّمِ وَلَكِنَّهُ التَّحَرِّي.