4-تغريدات نورانية فى شهر النور
4-تغريدات نورانية فى شهرالنور
التغريدة الرابعة:
نفحات نورانية ومنح ربانية
قراءة فى كتاب
الوابل الصيب من الكلم الطيب
تأليف:
شيخ الاسلام
محمد بن ابى بكر بن ايوب الزرعى الدمشقى
الشهير بابن قيم الجوزية691-751هجرية
فادا فوت العبد عليه هذا الربح قطعا وكثير من العلماء لا صلاة له وهو بارد القلب فارغ من هذه المصيبة غير مرتاع لها
فهذا عدم تعظيم امر الله تعالى في قلبه
وكذلك اذا فاته اول الوقت الذي هو رضوان الله تعالى أو فاته الصف الاول الذي يصلي الله وملائكته على ميامنه ولو يعلم العبد فضيلته لجالد عليه ولكانت قرعة
وكذلك فوت الجمع الكثير الذي تضاعف الصلاة بكثرته وقلته
كلما كثر الجمع كان احب إلى الله عز وجل
وكلما بعدت الخطا كانت خطوة تحط خطيئة واخرى ترفع درجة
وكذلك
فوت الخشوع في الصلاة وحضور القلب فيها بين يدي الرب تبارك وتعالى
الذي هو روحها ولبها
فصلاة بلا خشوع ولا حضور كبدن ميت لاروح فيه
افلا يستحي العبد ان يهدي إلى مخلوق مثله عبدا ميتا أو جارية ميته
فما ظن هذا العبد ان تقع تلك الهدية ممن قصده بها من ملك أو امير اوغيره
فهكذا سواء الصلاة الخيالية عن الخشوع والحضور وجمع الهمة على الله تعالى فيها بمنزلة هذا العبد أو الامة الميت الذي يريد اهداءه إلى بعض الملوك ولهذا لا يقبلها الله تعالى منه
وان اسقطت الفرض في احكام الدنيا ولا يثبه عليها
فانه ليس للعبد من صلاته الا ما عقل منها
كما في السنن ومسند الامام أحمد وغيره عن النبي
( صلى الله عليه وسلم ) انه قال
ان العبد ليصلي الصلاة وما كتب له الا نصفها الا ثلثها الا ربعها الا خمسها حتى بلغ عشرها
وينبغي ان يعلم ان سائر الاعمال تجري هذا المجرى
فتفاضل الاعمال عند الله تعالى يتفاضل ما في القلوب من الايمان والاخلاص والمحبة وتوابعها
وهذا العمل الكامل هو الذي يكفر السيئات تكفيرا كاملا والناقص بحسبه وبهاتين القاعدتين تزول اشكالات كثيرة وهما:
1-تفاضل الاعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الايمان
2-وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه
وبهذا يزول الاشكال الذي يورده من نقص حظه من هذا الباب على الحديث الذي فيه
ان صوم يوم عرفة يكفر سنتين ويوم عاشوراء يكفر سنة
قالوا
فاذا كان دأبه دائما انه يصوم يوم عرفه فصامه وصام يوم عاشوراء فكيف يقع تكفير ثلاث سنين كل سنة ؟
واجاب بعضهم عن هذا بان
ما فضل عن التكفير ينال به الدرجات
ويالله العجب
فليت العبد اذا اتى بهذه المكفرات كلها ان تكفر عنه سيئاته باجتماع بعضها إلى بعض والتكفير بهذه مشروط بشروط
موقوف على انتفاء موانع في العمل وخارجه
فان علم العبد انه جاء بالشروط كلها وانتفت عنه الموانع كلها
فحينئذ يقع التكفير
واما عمل شملته الغفلة أو لاكثره وفقد الاخلاص الذي هو روحه ولم يوف حقه ولم يقدره حق قدره
فاي شئ يكفر هذا
فان وثق العبد من عمله بانه وفاه حقه الذي ينبغي له ظاهرا وباطنا ولم يعرض له مانع يمنع تكفيره ولا مبطل يحبطه من عجب أو رؤية نفسه فيه أو يمن به أو يطلب من العباد تعظيمه به أو يستشرف بقلبه لمن يعظمه عليه أو يعادي من لا يعظمه عليه ويرى انه قد بخسه حقه وانه قد استهان بحرمته فهذا أي شئ يكفر
ومحبطات الاعمال ومفسداتها اكثر من ان تحصر
وليس الشان في العمل انما الشان في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه
فالرياء وان دق محبط للعمل
وهو ابواب كثيرة لاتحصر
وكون العمل غير مقيد باتباع السنة ايضا موجب لكونه باطلا
والمن به على الله تعالى بقلبه مفسد له
وكذلك المن بالصدقة والمعروف والبر والاحسان والصلة مفسد لها
كما قال سبحانه وتعالى
يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى
واكثر الناس ما عندهم خبر من السيئات التي تحبط الحسنات
وقد قال تعالى
يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون
فحذر المؤمنين من حبوط اعمالهم بالجهر لرسول الله
( صلى الله عليه وسلم )
كما يجهر بعضهم لبعض وليس هذا بردة بل معصية تحبط العمل وصاحبها لا يشعر بها
فما الظن بمن قم على قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وهدية وطريقة قول غيره وهدية وطريقة
اليس هذا قد حبط عمله وهو لا يشعر
ومن هذا قوله ( صلى الله عليه وسلم )
من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله
ومن هذا قول عائشة رضي الله تعالى عنها وعن ابيها لزيد بن ارقم رضي الله عنه
لما باع بالعينة انه قد ابطل جهاده مع رسول الله
( صلى الله عليه وسلم )
الا ان يتوب
وليس التبايع بالعينة ردة و انما غايته انه معصية فمعرفة ما يفسد الاعمال في حال وقوعها ويبطلها ويحبطها بعد وقوعها من اهم ما ينبغي ان يفتش عليه العبد ويحرص على عمله ويحذره
وقد جاء في اثر معروف
ان العبد ليعمل العمل سرا لا يطلع عليه احدا الا الله تعالى
فيتحدث به فينتقل من ديوان السر إلى ديوان العلانية
ثم يصير في ذلك الديوان على حسب العلانية فان تحدث به للسمعة وطلب الجاه والمنزلة عند غير الله تعالى ابطله كما لو فعله لذلك
فان قيل فإذا تاب هذا هل يعود اليه ثواب العمل
قيل
= ان كان قد عمله لغير الله تعالى واوقعه بهذه النية فانه لا ينقلب صالحا بالتوبة بل حسب التوبة ان تمحو عنه عقابه
فيصير لا له ولا عليه
=واما ان عمله لله تعالى خالصا ثم عرض له عجب ورياء أو تحدث به ثم تاب من ذلك وندم
فهذا قد يعود له ثواب عمله ولا يحبط
وقد يقال انه لا يعود اليه بل يستانف العمل