المقالة الخامسة والستون بعد المائة من سلسلة السيرة النبوية 3-غزوة تبوك المقالة الخامسة والستون بعد المائة
من سلسلة السيرة النبوية
3-غزوة تبوكفصل تخلُّف عبد الله ابن أُبيّ وأهل الرَّيب عام تبوك
قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق:
ثم استتب برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سفره، وأجمع السَّير، فلمَّا خرج يوم الخميس ضرب عسكره على ثنية الوداع ومعه زيادة على ثلاثين ألفاً من النَّاس، وضرب عبد الله بن أبيّ عدو الله عسكره أسفل منه - وما كان فيما يزعمون بأقل العسكرين - فلمَّا سار رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم تخلَّف عنه عبد الله ابن أُبي في طائفة من المنافقين، وأهل الرَّيب.
قال ابن هشام:
واستخلف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري.
قال:
وذكر الدراوردي:
أنه استخلف عليها عام تبوك سباع بن عرفطة.
قال ابن إسحاق:
وخلَّف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم علي ابن أبي طالب على أهله، وأمره بالإقامة فيهم،
فأرجف به المنافقون، وقالوا:
ما خلفه إلا استقلالاً له، وتخففاً منه، فلمَّا قالوا ذلك، أخذ عليّ سلاحه، ثمَّ خرج حتَّى لحق برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو نازل بالجُرْف، فأخبره بما قالوا.
فقال:
((كذبوا ولكني خلَّفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)).
فرجع علي، ومضى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفره.
ثم قال ابن إسحاق:
حدَّثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن إبراهيم بن سعد ابن أبي وقاص، عن أبيه سعد، أنه سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لعلي هذه المقالة.
وقد روى البخاري ومسلم هذا الحديث من طريق شعبة عن سعد بن إبراهيم، عن إبراهيم بن سعد ابن أبي وقاص، عن أبيه به.
وقد قال أبو داود الطيالسي في مسنده:
حدَّثنا شعبة عن الحكم، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: خلَّف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم علي ابن أبي طالب في غزوة تبوك.
فقال:
يا رسول الله أتخلفني في النِّساء والصِّبيان؟
فقال:
((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي)).
وأخرجاه من طرق عن شعبة نحوه.
وعلَّقه البخاري أيضاً من طريق أبي داود عن شعبة.
وقال الإمام أحمد:
حدَّثنا قتيبة بن سعيد، حدَّثنا حاتم بن إسماعيل عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول له - وخلَّفه في بعض مغازيه-.
فقال علي:
يا رسول الله تخلفني مع النِّساء والصِّبيان؟
فقال:
((يا عليّ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنَّه لا نبي بعدي)).ورواه مسلم والتِّرمذي عن قتيبة.
زاد مسلم ومحمد بن عباد كلاهما عن حاتم بن إسماعيل به.
وقال التِّرمذي:
حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
قال ابن هشام:
وقال أبو خيثمة واسمه مالك بن قيس في ذلك:
لَمّا رَأيْت النَّاسَ في الدينِ نَافَقُوا * أَتَيّتُ التي كانت أعفّ وَأكرما
وَبَايَعْتُ بِاليُمْنَى يَديِ ِلمحمدٍ * فَلَمْ أكتسِب إثماً لم أغش مَحْرِما
تَرَكْت خَضِيبَاً في العَريش وصَرّمَةِ * صَفَايَا كِراما بسرّهُا قَدْ تَحّمِمَا
وَكُنْتُ إذَا شَكَّ الُمنافِقُ أسّمَحَتْ * إلَى الدِّينِ نَفْسي شَطرَهُ حَيْثُ يَممّا
قال الإمام أحمد:
حدَّثنا عبد الرَّزاق، أخبرنا: معمر أخبرنا: عبد الله بن محمد بن عقيل في قوله:
(الذين اتَّبعوه في ساعة العسرة).
قال: خرجوا في غزوة تبوك؛ الرَّجلان والثلاثة على بعير واحد، وخرجوا في حرّ شديد، فأصابهم في يوم عطش، حتَّى جعلوا ينحرون إبلهم لينفضوا أكراشها ويشربوا ماءها، فكان ذلك عسرة في الماء، وعسرة في النَّفقة، وعسرة في الظهر.
قال عبد الله بن وهب:
أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد ابن أبي هلال، عن عتبة ابن أبي عتبة، عن نافع بن جبير، عن عبد الله بن عبَّاس، أنه قيل لعمر بن الخطاب: حدِّثنا عن شأن ساعة العسرة.
فقال عمر:
خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلاً وأصابنا فيه عطش، حتَّى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتَّى إن كان أحدنا ليذهب فيلتمس الرَّحل فلا يرجع حتَّى يظن أن رقبته ستنقطع، حتَّى أن الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرثه فيشربه، ثمَّ يجعل ما بقي على كبده.
فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إنَّ الله قد عوَّدك في الدعاء خيراً، فادع الله لنا.
فقال: ((أو تحب ذلك؟))
قال: نعم!
قال:
فرفع يديه نحو السَّماء فلم يرجعهما حتَّى قالت السماء فأطلت، ثمَّ سكبت، فملئوا ما معهم ثمَّ ذهبنا ننظر، فلم نجدها جاوزت العسكر.إسناده جيد ولم يخرِّجوه من هذا الوجه.
قال الحافظ البيهقي:
وقد روينا من حديث ابن مسعود شبيهاً بقصة الرَّاحلة، ثمَّ روى من حديث الأعمش.
وقد رواه الإمام أحمد عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيد الخدري - شكَّ الأعمش - قال:
لما كان يوم غزوة تبوك أصاب النَّاس مجاعة، فقالوا:
يا رسول الله لو أذنت لنا فننحر نواضحنا، فأكلنا وادَّهنا.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((افعلوا))
فجاء عمر فقال:
(يا رسول الله إن فعلت قلَّ الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، وادع الله لهم فيها بالبركة، لعلَّ الله أن يجعل فيها البركة).
فقال رسول الله: ((نعم !))
فدعا بنطع فبسطه، ثمَّ دعا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف من التَّمر، ويجيء الآخر بكسرة حتَّى اجتمع على النَّطع من ذلك شيء يسير، فدعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالبركة ثمَّ قال لهم:
((خذوا في أوعيتكم))
فأخذوا في أوعيتهم حتَّى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوها، وأكلوا حتَّى شبعوا، وفضلت فضلة.
فقال رسول الله:
((أشهد أنَّ لا إله إلا الله وأنِّي رسول الله، لا يلقى الله بها غير شاكٍ فيحجب عن الجنَّة)).ورواه مسلم عن أبي كريب، عن أبي معاوية، عن الأعمش به.
ورواه الإمام أحمد من حديث سهيل عن أبيه، عن أبي هريرة به، ولم يذكر غزوة تبوك، بل قال: كان غزوة غزاها.