255-المقالة الخامسة والخمسون بعد المائتين من سلسلة السيرة النبوية 50-كتاب حجة الوداع حكم من لم يسق معه الهدى
255-المقالة الخامسة والخمسون بعد المائتين
من سلسلة السيرة النبوية
50-كتاب حجة الوداع
بيان وحكم من لم بسق الهدى معه
قال مسلم:
ثنا قتيبة، ثنا الليث - هو:
ابن سعد - عن أبي الزبير، عن جابر أنه قال:
أقبلنا مهلِّين مع رسول الله بحج مفرد،
وأقبلت عائشة بعمرة،
حتَّى إذا كنا بسرف عركت، حتَّى إذا قدمنا طفنا بالكعبة والصفا والمروة، وأمرنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يحل منا من لم يكن معه هدي.
قال: فقلنا: حل ماذا؟
قال: ((الحل كله)).
فواقعنا النساء، وتطيبنا بالطيب، ولبسنا ثياباً، وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال.
فهذان الحديثان
فيهما التصريح بأنه عليه السلام قدم مكة عام حجة الوداع ليصبح رابعة ذي الحجة،
وذلك يوم الأحد حين ارتفع النهار وقت الضحاء،
لأن أول ذي الحجة تلك السنة كان يوم الخميس بلا خلاف،
لأن يوم عرفة منه كان يوم الجمعة بنص حديث عمر بن الخطاب الثابت في الصحيحين،
كما سيأتي،
فلما قدم عليه السلام يوم الأحد رابع الشهر،
بدأ كما ذكرنا بالطواف بالبيت، ثم بالسعي بين الصفا والمروة،
فلما انتهى طوافه بينهما عند المروة،
أمر من لم يكن معه هدي أن يحل من إحرامه حتماً،
فوجب ذلك عليهم لا محالة، ففعلوه وبعضهم متأسف لأجل أنه عليه السلام لم يحل من إحرامه لأجل سوقه الهدي،
وكانوا يحبون موافقته عليه السلام والتأسي به،
فلما رأى ما عندهم من ذلك قال لهم:
((لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)).
أي:
لو أعلم أن هذا ليشق عليكم لكنت تركت سوق الهدي حتَّى أحل كما أحللتم.
ومن هاهنا تتضح الدلالة
على أفضلية التمتع،
كما ذهب إليه الإمام أحمد
أخذاً من هذا، فإنه قال:
لا أشك أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان قارناً،
ولكن التمتع أفضل لتأسفه عليه.
وجوابه:
أنه عليه السلام لم يتاسف على التمتع،
لكونه أفضل من القران في حق من ساق الهدي،
وإنما تأسف عليه لئلا يشق على أصحابه في بقائه على إحرامه، وأمره لهم بالإحلال،
ولهذا والله أعلم
لما تأمل الإمام أحمد هذا السر نص في رواية أخرى عنه على أن التمتع أفضل في حق من لم يسق الهدي،
لأمره عليه السلام من لم يسق الهدي من أصحابه بالتمتع،
وأن القران أفضل في حق من ساق الهدي كما اختار الله عز وجل لنبيه صلوات الله وسلامه عليه في حجة الوداع، وأمره له بذلك كما تقدم،
والله أعلم.