406-المقالة السادسة بعد المائة الرابعة من سلسلة السيرة النبوية 21-من شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم =مزاحه= صلى الله عليه وسلم
406-المقالة السادسة بعد المائة الرابعة
من سلسلة السيرة النبوية
21-من شمائل النبى صلى الله عليه وسلم
باب زهده عليه الصلاة والسلام
واعراضه عن الدنيا وعمله واجتهاده لدار القرار
باب زهده عليه السلام وإعراضه عن هذه الدَّار
قال الله تعالى:
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}
[طه: 131].
وقال تعالى:
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}
[الكهف: 28].
وقال تعالى:
{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}.
[النَّجم: 29-30].
وقال:
{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}
[لحجر: 87-88].
والآيات في هذا كثيرة.
وأما الأحاديث:
فقال يعقوب بن سفيان:
حدَّثني أبو العباس حيوة بن شريح، أنَّا بقية عن الزُّبيدي، عن الزُّهريّ،
عن محمد بن عبد الله بن عبَّاس قال:
كان ابن عبَّاس يحدِّث:
أنَّ الله أرسل إلى نبيه ملكاً من الملائكة معه جبريل.
فقال الملك لرسوله:
إنَّ الله يخيِّرك بين أن تكون عبداً نبياً، وبين أن تكون ملكاً نبياً، فالتفت رسول الله إلى جبريل كالمستشير له، فأشار جبريل إلى رسول الله أن تواضع.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((بل أكون عبداً نبياً)).
قال:
فما أكل بعد تلك الكلمة طعاماً متكئاً حتى لقي الله - عز وجل.
وهكذا رواه البخاري
في(التاريخ):
عن حيوة بن شريح.
وأخرجه النَّسائي عن عمرو بن عثمان، كلاهما عن بقية بن الوليد به.
وأصل هذا الحديث في الصَّحيح بنحو من هذا اللفظ.
وقال الإمام أحمد:
حدَّثنا محمد بن فضيل عن عمارة، عن أبي زرعة
- ولا أعلمه إلا عن أبي هريرة - قال:
جلس جبريل إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
فنظر إلى السَّماء فإذا ملك ينزل.
فقال جبريل:
إنَّ هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل السَّاعة.
فلما نزل قال:
يا محمد أرسلني إليك ربك أفملكاً نبياً يجعلك، أو عبداً رسولاً ؟.
هكذا وجدته بالنسخة التي عندي بالمسند مقتصراً، وهو من أفراده من هذا الوجه.
وثبت في الصَّحيحين
من حديث ابن عبَّاس عن عمر بن الخطاب
في حديث إيلاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من أزواجه،
أن لا يدخل عليهنَّ شهراً، واعتزل عنهنَّ في علية،
فلما دخل عليه عمر في تلك العلية فإذا ليس فيها سوى صبرة من قرظ، وأهبة معلقة، وصبرة من شعير، وإذا هو مضطجع على رمال حصير، قد أثَّر في جنبه،
فهملت عينا عمر
فقال: ((مالك؟)).
فقلت:
يا رسول الله أنت صفوة الله من خلقه، وكسرى وقيصر فيما هما فيه.
فجلس محمراً وجهه فقال:
((أوفي شكٍ أنت يا ابن الخطاب؟))
ثم قال:
((أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدُّنيا)).
وفي رواية لمسلم:
((أما ترضى أن تكون لهم الدُّنيا ولنا الآخرة)).
فقلت: بلى يا رسول الله.
قال:
((فأحمد الله عز وجل)).
ثم لما انقضى الشَّهر أمره الله - عز وجل - أن يخيِّر أزواجه، وأنزل عليه قوله:
{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً}.
[الأحزاب: 28 -29].
وقد ذكرنا هذا مبسوطاً في كتابنا (التفسير)
وأنَّه بدأ بعائشة فقال لها:
((إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك)) وتلا عليها هذه الآية.
قالت: فقلت:
أفي هذا أستأمر أبواي؟ فإني أختار الله ورسوله، والدَّار الآخرة، وكذلك قال سائر أزواجه - عليه السلام -، ورضي عنهن.