415-المقالة الخامسة عشر بعد المائة الرابعة من سلسلة السيرة النبوية كتاب دلائل النبوة 415-المقالة الخامسة عشر بعد المائة
من سلسلة السيرة النبوية
كتاب دلائل النّبوة
وهو معنوية وحسّية
فمن المعنوية:
إنزال القرآن عليه،
وهو أعظم المعجزات وأبهر الآيات، وأبين الحجج الواضحات
لما اشتمل عليه من التركيب المعجز الذي تحدَّى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله،
فعجزوا عن ذلك مع توافر دواعي أعدائه على معارضته وفصاحتهم وبلاغتهم،
ثمَّ تحدَّاهم بعشر سور منه فعجزوا،
ثمَّ تنازل إلى التَّحدي بسورة من مثله فعجزوا عنه
وهم يعلمون عجزهم، وتقصيرهم عن ذلك،
وأن هذا ما لا سبيل لأحد إليه أبداً.
قال الله تعالى:
{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}.
[الإسراء: 88]
وهذه الآية مكية.
وقال في سورة الطُّور وهي مكية:
{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ}
[الطُّور: 33-34].
أي: إن كنتم صادقين في أنه قاله من عنده فهو بشر مثلكم، فأتوا بمثل ما جاء به فإنَّكم مثله.
وقال تعالى في سورة البقرة وهي مدنية - معيداً للتحديّ -:
{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}
[البقرة: 23 -24].
وقال تعالى:
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ}
[هود: 13-14].
وقال تعالى:
{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}
[يونس: 37-39].
فبيَّن تعالى أن الخلق عاجزون عن معارضة هذا القرآن، بل عن عشر سور مثله، بل عن سورة منه وأنهم لا يستطيعون ذلك أبداً.
كما قال تعالى:
{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا}
أي: فإن (لم) تفعلوا في الماضي
(ولن) تستطيعوا ذلك في المستقبل
وهذا تحدٍّ ثان،
وهو أنه لا يمكن معارضتهم له لا في الحال ولا في المآل،
ومثل هذا التحديّ
إنما يصدر عن واثق بأن ما جاء به لا يمكن للبشر معارضته ولا الإتيان بمثله،
ولو كان متقوَّل من عند نفسه لخاف أن يعارض فيفنضح ويعود عليه نقيض ما قصده من متابعة النَّاس له،
ومعلوم لكلِّ ذي لبّ
أنَّ محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم من أعقل خلق الله، بل أعقلهم وأكملهم على الإطلاق في نفس الأمر،
فما كان ليقدم هذا الأمر إلا وهو عالم بأنَّه لا يمكن معارضته،
وهكذا وقع
((( فإنَّه من لدن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم
وإلى زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره، ولا نظير سورة منه،)))
=وهذا لا سبيل إليه أبداً فإنَّه كلام ربّ العالمين الذي لا يشبهه شيء من خلقه، لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله فأنى يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق ؟=
وقول كفار قريش الذي حكاه تعالى عنهم في قوله:
وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين.
[الأنفال: 31]
= كذب منهم ودعوى باطلة بلا دليل ولا برهان، ولا حجة ولا بيان، =
ولو كانوا صادقين لأتوا بما يعارضه،
بل هم يعلمون كذب أنفسهم كما يعلمون كذب أنفسهم في قولهم:
{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}
[الفرقان: 5].
قال الله تعالى:
{قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً}
[الفرقان: 6].
أي: أنزله عالم الخفيَّات، ربّ الأرض والسَّموات،
الذي يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون،