421-المقالة الحادية والعشرون بعد المائة الرابعة من سلسلة السيرة النبوية خصاص الامة المحمدية 421-المقالة الحادية عشر بعد المائة الرابعة
من سلسلة السيرة النبوية
كتاب الدلائل
والامة المحمدية وخصائصها
وأمته عليه السلام لا يستحلُّون أن يوجدوا شيئاً من الدِّين غير ما جاء به،
ولا يبتدعون بدعة ما أنزل الله بها من سلطان،
ولا يشرعون من الدِّين ما لم يأذن به الله،
لكن ما قصَّه عليهم من أخبار الأنبياء وأممهم اعتبروا به،
=وما حدَّثهم أهل الكتاب موافقاً لما عندهم صدَّقوه،
= ومالم يعلم صدقه ولا كذبه أمسكوا عنه،
=وما عرفوا بأنَّه باطل كذَّبوه،
=ومن أدخل في الدِّين ما ليس منه من أقوال متفلسفة الهند والفرس واليونان، أو غيرهم
كان عندهم من أهل الإلحاد والابتداع،
*وهذا هو الدِّين الذي كان عليه أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، والتَّابعون،
* وهو الذي عليه أئمة الدِّين الذين لهم في الأمة لسان صدق،
* وعليه جماعة المسلمين وعامتهم،
=ومن خرج عن ذلك كان مذموماً مدحوراً عند الجماعة.
وهو مذهب أهل السّنة والجماعة الظَّاهرين إلى قيام السَّاعة*
الذين قال فيهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرُّهم من خالفهم، ولا من خذلهم حتى تقوم السَّاعة)).
وقد يتنازع بعض المسلمين مع اتفاقهم على هذا الأصل الذي هو دين الرُّسل عموماً ودين محمد صلَّى الله عليه وسلَّم خصوصاً،
= ومن خالف في هذا الأصل كان عندهم ملحداً مذموماً،
ليسوا كالنَّصارى الذين ابتدعوا ديناً ما قام به أكابر علمائهم وعبَّادهم، وقاتل عليه ملوكهم ودان به جمهورهم،
وهو دين مبتدع ليس هو دين المسيح، ولا دين غيره من الأنبياء،
والله سبحانه أرسل رسله بالعلم النَّافع والعمل الصَّالح،
فمن اتبع الرُّسل له سعادة الدُّنيا والآخرة،
وإنما دخل في البدع من قصر في اتباع الأنبياء علماً وعملاً،
ولما بعث الله محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم بالهدى ودين الحق
تلقَّى ذلك عنه المسلمون من أمته، فكل علم نافع وعمل صالح عليه أمة محمَّد أخذوه عن نبيهم، كما ظهر لكل عاقل أنَّ أمته أكمل الأمم في جميع الفضائل العلمية والعملية،
ومعلوم أنَّ كل كمال في الفرع المتعلّم هو في الأصل المعلّم،
وهذا يقتضي أنه عليه السلام كان أكمل النَّاس علماً وديناً،
وهذه الأمور توجب العلم الضَّروري بأنه كان صادقاً في قوله:
(إني رسول الله إليكم جميعاً)
لم يكن كاذباً مفترياً،
فإنَّ هذا القول لا يقوله إلا من هو من خيار النَّاس وأكملهم إن كان صادقاً،
أو من هو من أشر النَّاس وأخبثهم إن كان كاذباً،
وما ذكر من كمال علمه ودينة يناقض الشر والخبث والجهل.
فتعيَّن أنه متصف بغاية الكمال في العلم، والدِّين،
وهذا يستلزم أنه كان صادقاً في قوله:
((إني رسول الله إليكم جمعياً))
لأنَّ الذي لم يكن صادقاً إمَّا أن يكون متعمداً للكذب، أو مخطئاً.
والأوَّل يوجب أنَّه كان ظالماً غاوياً.
والثَّاني يقتضي أنَّه كان جاهلاً ضالاً.
ومحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم كان علمه ينافي جهله، وكمال دينه ينافي تعمُّد الكذب، فالعلم بصفاته يستلزم العلم بأنَّه لم يكن يتعمَّد الكذب، ولم يكن جاهلاً يكذب بلا علم،
وإذا انتفى هذا وذاك،
تعين أنَّه كان صادقاً عالماً بأنَّه صادق،
ولهذا نزهه الله عن هذين الأمرين
بقوله تعالى:
{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}
[النَّجم: 1-4].
وقال تعالى عن الملك الذي جاء به:
{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}
[التكوير: 19-21].
ثمَّ قال عنه:
{وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}
[التَّكوير: 22-27].
وقال تعالى:
{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ }
،
إلى قوله:
{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}
[الشُّعراء: 192-223].
بيَّن سبحانه أنَّ الشَّيطان إنما ينزل على من يناسبه ليحصل به غرضه، فإنَّ الشَّيطان يقصد الشَّر وهو الكذب والفجور، ولا يقصد الصِّدق والعدل، فلا يقترن إلا بمن فيه كذب إمَّا عمداً وإمَّا خطأ وفجوراً أيضاً، فإنَّ الخطأ في الدِّين هو من الشَّيطان أيضاً.
كما قال ابن مسعود لما سئل عن مسألة:
أقول فيها برأيي فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشَّيطان، والله ورسوله بريئان منه.
(((فإنَّ رسول الله بريء من تنزل الشَّياطين عليه في العمد والخطأ)))
بخلاف غير الرَّسول
فإنَّه قد يخطئ ويكون خطؤه من الشَّيطان، وإن كان خطؤه مغفوراً له،
فإذا لم يعرف له خبراً أخبر به كان فيه مخطئاً،
ولا أمراً أمر به كان فيه فاجراً،
علم أن الشَّيطان لم ينزل عليه، وإنما ينزل عليه ملك كريم،
ولهذا قال في الآية الأخرى عن النَّبيّ:
{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
[الحاقَّة: 40 -43].
انتهى ما ذكره، وهذا عين ما أورده بحروفه.