507-المقالة السابعة بعد المائة الخامسة من سلسلة السيرة النبوية كتاب الدلائل القول فيما اوتى نبى الله سليمان مقارنا بما اوتىه نبينا محمد عليهما الصلاة والسلام
507-المقالة السابعة بعد المائة الخامسة
من سلسلة السيرة النبوية
دلائل النبوة
تتمة9- باب ما أعطي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
وما أعطي الأنبياء قبله:
القول فيما أوتي سليمان بن داود عليه السلام:
قال الله تعالى:
{فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}
[ص: 36-40].
وقال تعالى:
{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ}
[الأنبياء: 81-82].
وقال تعالى:
{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}
[سبأ: 12-13].
وقد بسطنا ذلك في قصَّته وفي التَّفسير أيضاً.
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وصحَّحه التّرمذيّ وابن حبان والحاكم في مستدركه
عن عبد الله بن عمرو،
عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم:
((أنَّ سليمان عليه السلام لمَّا فرغ من بناء بيت المقدس سأل الله خلالاً ثلاثاً: سأل الله حكماً يوافق حكمه، وملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وأنَّه لا يأتي هذا المسجد أحد إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)).
أمَّا تسخير الرِّيح لسليمان فقد قال الله تعالى في شأن الأحزاب:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً}
[الأحزاب: 9].
وقد تقدَّم في الحديث الذي رواه مسلم من طريق شعبة عن الحاكم، عن مجاهد، عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
((نصرت بالصَّبا وأُهلكت عاد بالدَّبور)).
ورواه مسلم من طريق الأعمش عن مسعود بن مالك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مثله.
وثبت في الصَّحيحين:
((نصرت بالرُّعب مسيرة شهر)).
ومعنى ذلك:
أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا قصد قتال قوم من الكفَّار
ألقى الله الرُّعب في قلوبهم قبل وصوله إليهم بشهر،
ولو كان مسيره شهراً،
فهذا في مقابلة غدوِّها شهر ورواحها شهر،
بل هذا أبلغ في التمكُّن والنَّصر والتَّأييد والظَّفر،
وسخِّرت الرِّياح تسوق السَّحاب لإنزال المطر
الذي امتنَّ الله به حين استسقى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غير ما موطن كما تقدَّم.
وقال أبو نعيم:
فإن قيل:
فإنَّ سليمان سخِّرت له الرِّيح فسارت به في بلاد الله وكان غدوَّها شهراً ورواحها شهراً.
قيل:
ما أعطي محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم أعظم وأكبر
لأنَّه سار في ليلة واحدة من مكة إلى بيت المقدس مسيرة شهر، وعرج به في ملكوت السَّموات مسيرة خمسين ألف سنة
في أقل من ثلث ليلة،
فدخل السَّموات سماء سماء ورأى عجائبها،
ووقف على الجنَّة والنَّار،
وعرض عليه أعمال أمَّته،
وصلَّى بالأنبياء وبملائكة السَّموات،
واخترق الحجب وهذا كله في ليلة قائماً أكبر وأعجب.
وأمَّا تسخير الشَّياطين بين يديه تعمل ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات،
فقد أنزل الله الملائكة المقرَّبين لنصرة عبده ورسوله محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم في غير ما موطن يوم أحد، وبدر، ويوم الأحزاب، ويوم حنين
كما تقدَّم ذكرناه ذلك مفصلاً في مواضعه،
وذلك أعظم وأبهر وأجلّ وأعلا من تسخير الشَّياطين.
وقد ذكر ذلك ابن حامد في كتابه،
وفي الصَّحيحين من حديث شعبة عن محمَّد بن زياد، عن أبي هريرة،
عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
((إنَّ عفريتاً من الجنِّ تفلَّت عليَّ البارحة - أو كلمة نحوها - ليقطع علي الصَّلاة، فأمكنني الله منه فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتَّى يصبحوا وينظروا إليه، فذكرت دعوة أخي سليمان رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي)).
قال روح:
فردَّه الله خاسئاً، لفظ البخاري.
ولمسلم عن أبي الدَّرداء نحوه، قال:
((ثمَّ أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح يلعب به ولدان أهل المدينة)).
وقد روى الإمام أحمد بسند جيد عن أبي سعيد أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قام يصلِّي صلاة الصُّبح وهو خلفه، فقرأ فالتبست عليه القراءة، فلمَّا فرغ من صلاته قال:
((لو رأيتموني وإبليس فأهويت بيدي فما زلت أختنقه حتَّى وجدت برد لعابه بين إصبعي هاتين الإبهام والتي تليها، ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطاً بسارية من سواري المسجد يتلاعب به صبيان أهل المدينة)).
وقد ثبت في الصِّحاح والحسان والمسانيد
أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
((إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنَّة وغلِّقت أبواب النَّار، وصفِّدت الشَّياطين)).
وفي رواية ((مردة الجنِّ))
فهذا من بركة ما شرعه الله له من صيام شهر رمضان وقيامه،