508-المقالة الثامنة بعد المائة الخامسة من سلسلة السيرة النبوية كتاب دلائل النبوة ما عطيه نبينا محمد عليه السلام وما اعطيه الانبياء قبله عليهم السلام
508-المقالة الثامنة بعد المائة الخامسة
من سلسلة السيرة النبوية
دلائل النبوة
تتمة 10-باب ما أعطي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
وما أعطي الأنبياء قبله:
قال الحافظ بن كثير رحمه الله تعالى:
وسيأتي عند إبراء الأكمه والأبرص من معجزات المسيح عيسى بن مريم عليه السلام دعاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لغير ما واحد ممن أسلم من الجنِّ فشفي وفارقهم خوفاً منه ومهابة له، وامتثالاً لأمره - صلوات الله وسلامه عليهم -.
وقد بعث الله نفراً من الجنِّ يستمعون القرآن
فآمنوا به وصدَّقوه ورجعوا إلى قومهم فدعوهم إلى دين محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم وحذَّروهم مخالفته لأنَّه كان مبعوثاً إلى الإنس والجنِّ
فآمنت طوائف من الجنِّ كثيرة كما ذكرنا،
ووفدت إليه منهم وفود كثيرة
وقرأ عليهم سورة الرَّحمن،
وخبَّرهم بما لمن آمن منهم من الجنان،
وما لمن كفر من النِّيران،
وشرع لهم ما يأكلون وما يطعمون دوابهم،
فدلَّ على أنَّه بيَّن لهم ما هو أهم من ذلك وأكبر.
وقد ذكر أبو نعيم هاهنا حديث الغول
التي كانت تسرق التَّمر من جماعة من أصحابه صلَّى الله عليه وسلَّم ويريدون إحضارها إليه فتمتنع كل الامتناع خوفاً من المثول بين يديه،
ثمَّ افتدت منهم بتعليمهم قراءة آية الكرسي التي لا يقرب قارئها الشَّيطان.
وقد سقنا ذلك بطرقه وألفاظه
عند تفسير آية الكرسي من كتابنا التَّفسير ولله الحمد.
والغول هي الجنّ المتبدِّي باللَّيل في صورة مرعبة.
وذكر أبو نعيم هاهنا
حماية جبريل له عليه السلام غير ما مرَّة
من أبي جهل كما ذكرنا في السِّيرة،
وذكر مقاتلة جبريل وميكائيل عن يمينه وشماله يوم أحد.
وأمَّا ما جمع الله تعالى لسليمان من النُّبُّوة والملك
كما كان أبوه من قبله
فقد خيَّر الله عبده محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم بين أن يكون ملكاً نبياً، أو عبداً رسولاً،
فاستشار جبريل في ذلك
فأشار إليه وعليه أن يتواضع
فاختار أن يكون عبداً رسولاً.
وقد روى ذلك من حديث عائشة وابن عبَّاس،
ولا شكَّ أنَّ منصب الرِّسالة أعلى،
وقد عرضت على نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم كنوز الأرض فأباها.
قال:
((ولو شئت لأجرى الله معي جبال الأرض ذهباً ولكن أجوع يوماً وأشبع يوماً)).
وقد ذكرنا ذلك كلَّه بأدلَّته وأسانيده في التَّفسير وفي السِّيرة أيضاً ولله الحمد والمنة.
وقد أورد الحافظ أبو نعيم هاهنا طرفاً منها
من حديث عبد الرَّزاق عن معمر، عن الزُّهريّ، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((بينا أنا نائم جيء بمفاتيح خزائن الأرض فجعلت في يدي)).
ومن حديث الحسين بن واقد عن الزُّبير عن جابر مرفوعاً:
((أوتيت مفاتيح خزائن الدُّنيا على فرس أبلق جاءني به جبريل عليه قطيفة من سندس)).
قال أبو نعيم:
فإن قيل سليمان عليه السلام كان يفهم كلام الطَّير والنَّملة.
كما قال تعالى:
{وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ}
[النَّمل: 16].
وقال:
{حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا}
[النَّمل: 18].
قيل:
قد أعطي محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم مثل ذلك وأكثر منه،
فقد تقدَّم ذكرنا لكلام البهائم والسِّباع، وحنين الجذع ورغاء البعير، وكلام الشَّجر وتسبيح الحصا والحجر، ودعائه إيَّاه واستجابته لأمره، وإقرار الذِّئب بنبوَّته وتسبيح الطَّير لطاعته، وكلام الظَّبية وشكواها إليه، وكلام الضـَّب وإقراره بنبوَّته وما في معناه، كلُّ ذلك قد تقدَّم في الفصول بما يغني عن إعادته
انتهى كلامه.
قلت:
وكذلك أخبره ذراع الشَّاة بما فيه من السُّم،
وكان ذلك بإقرار من وضعه فيه من اليهود.
وقال:
إنَّ هذه السَّحابة لتبتهل بنصرك يا عمرو بن سالم - يعني: الخزاعيّ - حين أنشده تلك القصيدة يستعديه فيها على بني بكر الذين نقضوا صلح الحديبية،
وكان ذلك سبب فتح مكة كما تقدَّم.
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم:
((إنِّي لأعرف حجراً كان يسلِّم عليَّ بمكة قبل أن أبعث إنِّي لأعرفه الآن))
فهذا إن كان كلاماً مما يليق بحاله
ففهم عنه الرَّسول ذلك، فهو من هذا القبيل وأبلغ لإقامة جماد بالنِّسبة إلى الطَّير والنَّمل
لأنهما من الحيوانات ذوات الأرواح،
وإن كان سلاماً نطقياً وهو الأظهر
فهو أعجب من هذا الوجه أيضاً.
كما قال علي:
خرجت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في بعض شعاب مكَّة فما مرَّ بحجر ولا شجر، ولا مدر، إلا قال:
السَّلام عليك يا رسول الله.
فهذا النُّطق سمعه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعلي رضي الله عنه.