6-اتشرف بتقديم قبسات من هديى رسولنا صلى الله عليه وسلم-فى الصيام-
(6)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتشرف وأتقرب إلى الله عز وجل
بقبسات من هديه صلى الله عليه وسلم فى الصيام
وادعوكم معى للتحليق الى آفاق رحبة مع تلك النفحات الربانية
مع رسوله وحبيبه وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم
من خلال هديه صلى الله عليه وسلم –فى الصيام-
كتاب زاد المعاد فى هدى خيرالعباد
لشيخ الاسلام
ابن قيم الجوزية691-751هجرية
3-تتمة القول .....................
في أنه صلى الله عليه وسلم
لم يكن يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد
وكذلك كان هذان الصاحبان الإمامان،
أحدهما يميل إلى التشديد، والآخر إلى الترخيص، وذلك في غير مسألة .
وعبد اللَّه بن عمر:
كان يأخذ من التشديدات بأشياء لا يُوافقه عليها الصحابة،
فكان يغسِلُ داخل عينيه في الوضوء حتى عَمِىَ من ذلك،
وكان إذا مسَح رأسه، أفردَ أُذنيه بماءٍ جديد،
وكان يمنعُ مِن دخول الحمَّام، وكان إذا دخله، اغتسل منه،
وابن عباس: كان يدخل الحمَّام،
وكان ابن عمر يتيمم بضربتين:
ضربةٍ للوجه، وضربةٍ لليدين إلى المرفقين، ولا يقتصر على ضربة واحدة، ولا على الكفَّين،
وكان ابن عباس يُخالفه، ويقول:
التيمم ضربة للوجه والكفَّين،
وكان ابنُ عمر يتوضأ من قُبلة امرأته، ويُفتى بذلك،
وكان إذا قبَّل أولاده، تمضمض، ثمَّ صلَّى،
وكان ابنُ عباس يقول:
ما أبالى قبَّلتُها أو شَمَمْتُ ريحاناً .
وكان يأمر مَن ذكر أنَّ عليه صلاةً وهو في أخرى أن يُتمَّها ثم يُصلى الصلاة التي ذكرها،
ثم يُعيد الصلاة التي كان فيها،
وروى أبو يعلى المَوْصِلى في ذلك حديثاً مرفوعاً في مسنده
والصواب:
أنه موقوف على ابن عمر .
قال البيهقى:
وقد روىَ عن ابن عمر مرفوعاً ولا يصح،
قال:
وقد روىَ عن ابن عباس مرفوعاً، ولا يصح .
والمقصود:
أن عبد اللَّه بن عمر كان يسلُك طريق التَّشديد والاحتياط .
وقد روى معمر، عن أيوب، عن نافع عنه،
أنه كان إذا أدرك مع الإمام ركعة أضاف إليها أخرى،
فإذا فرغ من صلاته، سجد سجدتى السهو،
قال الزهرى:
ولا أعلم أحداً فعله غيره.
قلت:
وكأنَّ هذا السجود لِمَا حصَل له مِن الجلوس عقيبَ الركعة، وإنما محلُّه عقيبَ الشفع .
ويدل على أن الصحابة لم يصُومُوا هذا اليوم على سبيل الوجوب،
أنهم قالُوا:
لأن نَصُومَ يوماً من شعبان، أحبُّ إلينا من أن نُفطر يوماً من رمضان،
ولو كان هذا اليومُ من رمضان حتماً عندهم، لقالُوا:
هذا اليوم من رمضان، فلا يجوز لنا فطره . واللَّه أعلم .
ويدل على انهم إنما صاموه استحباباً وتحرِّياً،
ما رُوى عنهم من فطره بياناً للجواز،
فهذا ابن عمر قد قال حنبل في مسائله:
حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد العزيز بن حكيم الحضرمى قال:
سمعتُ ابن عمر يقول:
لو صمتُ السنة كُلَّها لأَفْطرتُ اليومَ الذي يُشَكُّ فيه .
قال حنبل:
وحدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبيدة بنُ حُميدٍ قال:
أخبرنا عبد العزيز بن حكيم قال: سألوا ابنَ عمر . قالوا:
نَسْبِقُ قبل رمضانَ حتىلا يفوتنا منه شئ؟
فَقَال:
أُفٍّ، أُفٍّ، صُومُوا مع الجماعة،
فقد صح عن ابنِ عُمَرَ، أنه قال:
لا يتقدَّمَنَّ الشهرَ منكم أحدٌ،
وصح عنه صلى الله عليه وسلم . أنه قال:
(صُومُوا لِرُؤية الهِلالِ، وأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ غُمَّ عَلَيْكُم، فَعُدُّوا ثَلاثِينَ يوماً) .
وكذلك قال علىُّ بن أبي طالب رضىَ اللَّه عنه:
إذا رأيتم الهِلال، فصُومُوا لرؤيته، وإذا رأيتُمُوه، فأفطِروا، فإن غُمَّ عليكم، فأكْمِلُوا العِدَّة .
وقال ابن مسعود رضى اللَّه عنه:
فإنْ غُمَّ عليكم، فعُدُّوا ثلاثين يوماً .
فهذه الآثار إن قُدِّرَ أنها معارِضة لتلك الآثار التي رُويت عنهم في الصوم،
فهذه أولى
لموافقتها النصوص المرفوعة لفظاً ومعنى،
وإن قُدِّرَ أنها لا تعَارُضَ بينها،
فههنا طريقتان من الجمع،
إحداهما:
حملها على غيرِ صورة الإغمام، أو على الإغمام في آخر الشهر كما فعله الموجبون للصوم .
والثانية:
حملُ آثارِ الصوم عنهم على التحرِّى والاحتياط استحباباً لا وجوباً،
وهذه الآثارُ صريحة في نفى الوجوب،
وهذه الطريقة أقربُ إلى موافقة النصوص، وقواعدِ الشرع،
وفيها السلامةُ من التفريق بين يومين متساويين في الشَّكِ، فيُجعلُ أحدهما يوم شك، والثانى يومَ يقين، مع حصولِ الشك فيه قطعاً،
وتكليفُ العبد اعتقاد كونه من رمضان قطعاً، مع شكِّه هل هو منه، أم لا؟
تكليفٌ بما لا يُطاق، وتفريقٌ بين المتماثلين،
واللَّه أعلم .