الحادية والخمسون من سلسلة الفقه اسئلة جدة والاجابة عليها من العلامة الامام الالبانى رحمه الله تعالى
المقالة الحادية والخمسون
من سلسلة الفقه
اسئلة جدة
واجابة المحدث العلامة الامام
محمد ناصرالدين الالبانى
رحمه الله تعالى
سائل:
ما هي الأسس التي ترون من خلال مرئياتكم أنه يمكن للعالم الإسلامي أن ينهض بها؟
الشيخ -رحمه الله-:
ما أعتقده هو ما جاء في النَّصِّ الحديثيِّ الصَّحيح؛
فهو جواب عن مثل هذا السؤال، وعن كثير من الأسئلة
التي تُطرحَ في العالم الحاضر؛ وهو قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)).
الأساس هو الرجوع إلى الإسلام،
فالأمر هذا قد أشار إليه إمام دار الهجرة الإمام مالك
-رحمه الله- في كلمة مأثورة عنه تُكتَب –
كما كانوا يقولون قديمًا- بماء الذهب
وهي قوله رحمه الله:
"من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلَّى الله عليه آله وسلم خان الرسالة،
اقرؤا قول الله تبارك وتعالى:
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾
[المائدة: 3]،
قال مالك -رحمه الله-:
"فما لم يكن يومئذٍ دينًا، لا يكون اليوم دينًا ولا يصلُح آخر هذه الأمة إلا بما صَلُحَ به أولها".
هذه الجملة الأخيرة هي بيت القصيد فيما يتعلق بالجواب عن ذاك السؤال؛
حيث قال رحمه الله:
"ولا يَصلُح آخر هذه الأمة إلا بما صَلُحَ به أولها"،
فكما أن الأمَّة العربيَّة في عهدها في الجاهلية ما صَلُحَ أمرها
إلا بعد أن جاءهم نبيهم صلَّى الله عليه وآله وسلم بوحيِ السماء
الذي أسعدهم في الدنيا وفي الأُخرَى؛
فلذلك الأساس الذي ينبغي أن تقوم فيه الحياة الإسلامية السعيدة في هذا الزمن
ليس إلا هو الرجوع إلى الكتاب وإلى السنة.
غير أن هذا يحتاج إلى شيء من التفصيل لكثرة الجماعات أو الأحزاب الإسلامية الموجودة الآن في الساحة؛
لأنَّ كلَّ جماعة تدَّعِي لنفسها أنها هي التي وضعت المنهج الذي به يُمكنُهم أن يحققوا المجتمع الإسلامي والحكمَ للإسلام،
فكلهم يدَّعي كما قيل قديمًا:
وكلٌّ يدَّعِي وصلاً بليلى .... وليلى لا تُقرُّ لهم بذاك
ونحن نعلم من كتاب الله ومن حديث رسول الله صَّلى الله عليه وآله وسلم
أنَّ السَّبيل الذي به يمكن تحقيق السعادة في الدنيا، ثمَّ السعادة في الآخرة
إنما هو سبيلٌ واحد، فلابد من تحديد هذا السبيل ليسلك عليه من كان حقًّا
ليبتغي العمل لصالح الدعوة الإسلامية والأمَّة الإسلامية،
هذا السبيل هو ما ذكره الله -تبارك وتعالى
- في غير ما آيةٍ في القرآن الكريم؛ فربنا -عزَّ وجلَّ- يقول:
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾
[الأنعام: 153]،
فالطريقة التي تؤدِّي إلى ما ينشده كل مسلم اليوم -ولكن الجماهير لا يعرفونه-
إنما هو السبيل الذي أشير إليه في هذه الآية الكريمة.
ولقد أوضح النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم هذا السبيل المذكور في الآية الكريمة
بمثلٍ رائعٍ جدًا رسَمَه لأصحابه على الأرض
-التي كان من عادته أن يجلس عليها دون أي عظمةٍ أو كبرياء-،
فقد خطَّ لهم رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم
-يومًا- خطًا مستقيمًا على الأرض، ثم خطَّ على جانبيه خطوطًا قصيرةً؛
ثم قرأ عليه الصَّلاة والسَّلام وهو يمر بإصبعه الشريفة على الخط المستقيم الآية السابقة:
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾؛
ثم أشار إلى الخطوط التي على جانبي الخط المستقيم بقوله بتمام الآية الكريمة:
﴿وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾.
في اعتقادي
أنَّ الطَّريق هو واحد، فما ينشده كلُّ جماعة أو كل فردٍ من هذه الأمة من السعادة لها في الدنيا والآخرة
فلا يوجد هناك إلا هذه السبيل، وبخاصة أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم
قد أتمَّ بيان خطورة الحيدة عن الطريق المستقيم؛
بقوله في تمام الحديث السابق؛ حيث قال:
((هذا صراط الله، وهذه طرق وعلى رأس كل طريق منها شيطانٌ يدعو الناس إليه)).
الدُّعاة -إذن- كثيرون،
ولكن الداعية الحق إنما هو الذي يدعو الناس أن يسيروا على ما كان عليه الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم
وما اتبع أصحابه؛ ثم من جاؤوا من بعدهم بإحسان،
وقد أكد ربُّنا -عزَّ وجلَّ- في الآية الأخرى في القرآن الكريم
ما ذُكِر في الآية السَّابقة مع شرح الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام لها في الحديث المذكور آنفًا؛
فقال تعالى:
﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾
[النساء: 115].
فإذن السَّبيل دائمًا يذكر في القرآن مفردًا
وليس هناك سبل تُتَّبَع،
ولو أنَّ السَّالكين على هذه السُّبل والسَّائرين على تلك الطرق كانت مقاصدهم ونواياهم حسنة
وإن أُفترِضَ فيهم ذلك فهم لن يصلوا إلى بُغيتهم،
ما دام أنهم لم يسلكوا الطريق الوحيد المستقيم
الذي يؤدي بهم إلى مقصدهم المشروع .