الجن والسحر
المنجمون والسحرة يكذبون
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين،
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما
ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه،
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون
أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الإنسان حينما يعصي ربه ويرتكب الحرام يسلط الله عليه الجن فيسومونه سوء العذاب :
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثالث من دروس الجن والسحرة والمشعوذين.
أيها
الأخوة الكرام، الحقيقة الثانية في موضوع السحرة، وقبل الشرح لابدّ من لفت
نظر الأخوة الكرام إلى أن شريحة من المسلمين كبيرة جداً تتعامل مع
المشعوذين، وتعلق عليهم الآمال، وترجو عندهم النوال، وترجو من خلال سحرهم
أو شعوذتهم عطاء الدنيا، وتخشى من غضبهم الأذى والضر، وهذه العقائد ما أنزل
الله بها من سلطان، نحن معنا وحي السماء، حينما يقول الله عز وجل:
﴿
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ
وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي
عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي
فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا
أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ
﴾
[ سورة إبراهيم: 22]
الحقيقة التي بينتها في الدرس الماضي هو أن
الإنسان حينما يعصي ربه، وحينما يقصر في عباداته، وحينما يرتكب الحرام،
يسلط الله عليه الجن، فيسومونه سوء العذاب، فظلمة الجن تنال من ظلمة الإنس،
بدليل قوله تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
[ سورة الأنعام: 129]
وتكاد تكون هذه الآية أصلاً في علاقة الجن بالإنس.
حقائق متعلقة بالدرس :
1 ـ الجن ليس لهم سلطان على الذين آمنوا :
الحقيقة الأولى أن الجن ليس لهم سلطان على الذين آمنوا، قال تعالى:
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾
[ سورة الحجر: 42]
2 ـ السحرة كذبة :
الحقيقة الثانية، وهي محور هذا الدرس أن السحرة كذبة، الدليل: يقول الله عز وجل:
﴿
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ*
وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ *لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى
الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ *دُحُورًا وَلَهُمْ
عَذَابٌ وَاصِبٌ *إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ
ثَاقِبٌ ﴾
[ سورة الصافات: 6-10 ]
صعود الجن إلى السماء و استراق السمع قبل بعثة النبي الكريم :
قبل
بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كان الجن يصعدون إلى السماء، ويسترقون
السمع، بالضبط كاجتماع مجلس وزراء، وثمة مستخدم يقدم لهم بعض المشروبات،
القهوة، والشاي، في أثناء دخوله سمع أن الساعة سوف تقدم لأول مرة، لقط هذه
الفكرة، وخرج، وقال: أنا أعلم الغيب، صار تداول بهذا المجلس، قال: سوف ترون
بعد أسبوعين كيف أن الساعة سوف تقدم، هذا المستخدم ماذا فعل؟ استرق السمع،
وتبجح عند أقرانه أنه يعلم الغيب، كانت الشياطين قبل بعثة النبي عليه
الصلاة والسلام يسترقون الأخبار، وينقلونها من شيطان إلى شيطان، من جني إلى
جني، إلى أن تصل هذا الأخبار إلى قرنائهم من الأنس، فقد يأخذون خبراً،
ويضيفون عليه مئة خبر كاذب، بعض الإذاعات الآن تذيع مئة خبر صادق وخبراً
كاذباً، الخبر الكاذب يسري في أسماعنا، ونصدقه، ولا نشعر، لأن مئة خبر
صادق، الجن بالعكس مئة خبر كاذب على خبر صادق واحد.
منع الجن من استراق السمع بعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام :
فلذلك
أيها الأخوة الكرام: بعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كما ذكر الله عز
وجل في القرآن الكريم منع الجن من استراق السمع، قال تعالى:
﴿ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾
[ سورة فصلت: 12]
﴿
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا
لِلنَّاظِرِينَ*وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ *إِلَّا مَنِ
اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ﴾
[ سورة الحجر: 16-18 ]
﴿
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا
رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ
السَّعِيرِ*وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ ﴾
[ سورة الملك: 5-6 ]
إذاً هذه الآيات تؤكد أن الجن قبل
بعثة النبي كانوا يسترقون السمع، وكان كل جني أو كل شيطان يعطي هذا الخبر
لقرينه إلى أن يصل هذا الخبر إلى قرين الجن من الإنس يتاجر به، ويضيف عليه
مئة خبر كاذب.
الجن أعظم قدرة من الإنس على اختراق المسافات :
وذكرت
لكم في الأسبوع السابق قصةً، وكيف أن جزءاً منها كان صحيحاً، وأن بقية
الأجزاء كانت كاذبة، أخرج الإمام البخاري ومسلم والترمذي عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
(( انْطَلَقَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ
أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ
الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ
الشُّهُبُ، فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: مَا
لَكُمْ ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ،
وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ
خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ
وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ
خَبَرِ السَّمَاءِ؟ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ
تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ
بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ
صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ
فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ
السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، وَقَالُوا: يَا
قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ
فَآمَنَّا بِهِ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ
أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ
قَوْلُ الْجِنِّ ))
[متفق عليه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ]
والشيء الثابت أن الجن أعظم قدرة من الإنس على اختراق المسافات، فلما قال الله عز وجل:
﴿
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا
مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ
إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾
[ سورة الرحمن: 33]
بدأ بالجن، لأنهم أقدر على اختراق المسافات.
الله تعالى قدم الجن في مجال اختراق المسافات وقدم الإنس في مجال اللغة والبلاغة :
وحينما قال تعالى:
﴿
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا
بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾
[ سورة الإسراء: 88]
معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى قدم الجن في مجال اختراق المسافات، وقدم الإنس في مجال اللغة والبلاغة.
((...
فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هَذَا
الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ؟ فَانْصَرَفَ
أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ
عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا
سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي
حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا
إِلَى قَوْمِهِمْ، وَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا
عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ، وَلَنْ نُشْرِكَ
بِرَبِّنَا أَحَدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ
الْجِنِّ، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ ))
[متفق عليه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ]
الأصل
أن الجن قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كانوا يسترقون الأخبار من
السماء، وينقلونها فيما بينهم، إلى أن تصل إلى قرين الجن من الإنس، فكان
يأتي بالخبر، ويضيف عليه مئة خبر كاذب، كي يروج سحره، ودجله، وإضلاله، على
الناس.