المقالة الثامنة والستون بعد المائة من سلسلة السيرة النبوية 6-غزوة تبوك
المقالة الثامنة والستون بعد المائة
من سلسلة السيرة النبوية
6-غزوة تبوك
بعثه عليه السَّلام خالد بن الوليد إلى أُكَيْدِر دُومة
قال ابن إسحاق:
ثم إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم دعا خالد بن الوليد، فبعثه إلى أكيدر دومة، وهو أكيدر بن عبد الملك، رجل من بني كنانة، كان ملكاً عليها، وكان نصرانياً.
وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لخالد:
((إنَّك ستجده يصيد البقر)).
فخرج خالد حتَّى إذا كان من حصنه بمنظر العين، وفي ليلة مقمرة صائفة، وهو على سطح له ومعه امرأته، وباتت البقر تحكُّ بقرونها باب القصر.
فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قط؟
قال: لا والله.
قالت: فمن يترك هذا؟
قال: لا أحد، فنزل فأمر بفرسه، فأُسرج له، وركب معه نفر من أهل بيته، فيهم أخ له، يقال له: حسان، فركب وخرجوا معه بمطاردهم.
فلمَّا خرجوا تلقَّتهم خيل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فأخذته وقتلوا أخاه، وكان عليه قباء من ديباج مخوَّص بالذَّهب، فاستلبه خالد فبعث به إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبل قدومه عليه.
قال:
فحدَّثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أنس بن مالك قال:
رأيت قباء أُكَيدر حين قدم به على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((أتعجبون من هذا فوالذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنَّة أحسن من هذا)).
قال ابن إسحاق:
ثمَّ إنَّ خالد بن الوليد لما قدم بأُكَيدر على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حقن له دمه، فصالحه على الجزية، ثمَّ خلَّى سبيله، فرجع إلى قريته،
فقال رجل من بني طيء يقال له:
بجير بن بجرة في ذلك:
تَبَارَكَ سَائِقُ البَقَرَاتِ إِنِّي * رَأَيْتُ الله يَهْدِي كُلَّ هَادِ
فَمَنْ يَكُ حَائِدَاً عَنْ ذِي تَبوكٍ * فَإنَّا قَدْ أَمَرْنَا بِالِجهَادِ
وقد حكى البيهقي أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال لهذا الشاعر:
((لا يفضض الله فاك)).
فأتت عليه سبعون سنة ما تحرَّك له فيها ضرس ولا سن.
وروى يونس بن بكير عن سعد بن أوس، عن بلال بن يحيى
أنَّ أبا بكر الصّديق كان على المهاجرين في غزوة دومة الجندل.
وخالد بن الوليد على الأعراب في غزوة دومة الجندل، فالله أعلم.
قال ابن إسحاق:
فأقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بضع عشرة ليلة لم يجاوزها،
ثمَّ انصرف قافلاً إلى المدينة.
قال:
وكان في الطَّريق ماء يخرج من وشل يروي الرّاكب، والرّاكبين، والثّلاثة بواد يقال له: وادي المشقق.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقين منه شيئاً، حتَّى نأتيه)).
قال: فسبقه إليه نفر من المنافقين، فاستقوا ما فيه.
فلمَّا أتاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقف عليه فلم ير فيه شيئاً.
فقال: ((من سبقنا إلى هذا الماء؟)).
فقيل له: يا رسول الله فلان وفلان.
فقال: ((أولم أنههم أن يستقوا منه حتَّى آتيه))
ثمَّ لعنهم، ودعا عليهم، ثمَّ نزل فوضع يده تحت الوشل، فجعل يصبّ في يده ما شاء الله أن يصب، ثمَّ نضحه به، ومسحه بيده، ودعا بما شاء الله أن يدعو، فانخرق من الماء - كما يقول من سمعه - ما أن له حسّاً كحس الصّواعق، فشرب النَّاس، واستقوا حاجتهم منه.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((لئن بقيتم أو من بقي منكم ليسمعن بهذا الوادي، وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه)).