المقالة الخامسة والعشرون من سلسلة التفسير
المقالة الخامسة والعشرون
من سلسلة التفسير
إن نصوص السنة على ثلاثة أنحاء لا نزاع بين العلماء فيها
كل نص يأتي عن النبي ? فهو لا يخرج عن أحد ثلاثة أشياء وهي :
1- إما أن يأتي بما في القرآن .
2- وإما أن يبين ما في القرآن.
3- وإما أن يأتي بشيء زائد على ما في القرآن.
وقد تحدثت عن القسم الاول فى المقال السابق واتحدث الآن عن القسم الثانى
القسم الثاني
أن تَأْتِيَ السنة لتبين ما في القرآن.
وهذا النوع هو أكثر الأحاديث وروداً . أن تأتي السنة فتبين ما في القرآن العظيم من الإجمال والإبهام وهذه هي وظيفة النبي ? بعد تبليغه لفظ القرآن يبقى بيانه.
كما قال تبارك وتعالي :
{ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم}
[ النحل :44 ]
فبغير هذا البيان لا تصل إلي مراد الله.
لذلك قال علماؤنا
– وهذا ما أشرنا إليه في المقدمة الذي ردّ في نحر النص برأيه الفاسد له هنا أيضاً مزلق –
من سلفنا من قال ومنهم :
مكحول , ويحي بن أبي كثير والدارمي وابن عبد البر وجماعه من العلماء لهم عبارة مشهورة وهي :
(أن السنة تقضي علي الكتاب )
وقد تأتي هذه العبارة في بعض المواضع بلفظ آخر وهو :
(السنة قاضيه علي الكتاب )
فقال هذا الرجل :
(من قال إن السنة قاضيه علي الكتاب فهو مغرور )
وليس في العبارة ما يستنكر لكن الجاهل عدو نفسه إذ ليس في العبارة شيء يقتضي الرد.
ما معني السنة قاضية علي الكتاب ؟
هل هي مقدمة علي الكتاب ؟
هذا هو الذي فهمه ذاك !!.
أما معني السنة قاضية علي الكتاب :
أن آيةً من كتاب الله قد تأتي تحتمل معنيين فتقضي السنة لأحد المعنيين علي الآخر .
فهي إذاً قاضي علي الكتاب . هذا معنى .
أو ترجح أحد المعنيين علي الآخر فيؤخذ بها ويترك ظاهر الكتاب ،
وإليك مثال لبيان المعنى :
قال الله تبارك و تعالى :
{ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم }
[ البقرة : 223 ] .
{ أنَّى } معناها :
( أين )
تعني المكان
. فيفهم بهذا المعنى أنه يجوز أن تؤتى المرأة في دبرها .
قال بذلك الشافعي والمازري وغيرهما :
أن هذه الآية بظاهرها تقتضي ذلك .
قال الشافعي :
لكني أحرم ذلك لورود حديثٍ ثابتٍ في المنع
فيبدو لك أن الشافعي حرم الدبر بالحديث وترك مقتضى ظاهر الكتاب لأن ظاهر القرآن يقتضي الجواز.
وهناك معنى آخر وهو :
أن { أنَّى } تعني موضع الحرث . { نساؤكم حرث لكم }
فموضع الحرث هو موضع الإنبات .
فلا يمكن هذا الحرث يأتي إلا إذا أتى الرجل أهله في محل الولد لأنه لو أتاها في دبرها لما أولدها أبداً أبداً .
إذاً فالدبر ليس بحرث لأن الإنبات لا يمكن أن يكون إلا في محل الولد .
{ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم } .
فهذه الآية تحتمل هذا المعنى وذاك . فرجحنا المنع بحديث خزيمة بن ثابت :
« لا تأتوا النساء في أدبارهن».
قال المازري :
الآية حجة في الجواز لكن وردت أحاديث كثيرة بالمنع فتكون مخصصة لعموم الآية .
إذن تُرِكَ مقتضى ظاهر الكتاب أم لا ؟
الجواب : ترك .
ترك بماذا ؟
الجواب : ترك بالسنة .
فهذا هو معنى : ( السنة قاضية على الكتاب ).
* مثال آخر لبيان أن ( السنة قاضية على الكتاب
قال تعالى :) :
{ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ }
[ البقرة : 228 ] ،
القرءُ هذا طهر أم حيض؟
إذا طلقت امرأتك تلبث ثلاثة حيضات أم ثلاثة أطهار ؟
نرجع إلى اللغة العربية لأن هذا كلام عربي مبين .
فنجد في اللغة العربية أن كلمة ( قرء ) معناها : حيض ومعناها : طهر . المعنى وعكسه
واللغة العربية من الأبواب التي تتميز بها عن لغات العالم الأخرى هذا الباب ( باب الأضداد ) لفظة واحدة تحمل المعنى وعكسه . كقوله تعالى :
{ وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً }
[ الكهف : 79 ]
( وراءهم ) بمعنى : أمامهم . لأنه لو كان ورائهم على الحقيقة فلم يخرقون السفينة وقد تجاوزوه إنما خرقها لأنهم سيمرون عليه إذاً فهو أمامهم .
فهذا مما تنفرد به لغتنا العربية
وكلمة ( قرء ) من هذا الباب تعني : حيضٌ وطهرٌ .
فمن أين لنا أن نرجح أنها حيض أو طهر ؟ نأتي السنة فنجد النبي ? قال للمستحاضة :
( تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي ... )
الحديث .
فبهذا الحديث يكون القرء حيض إذ لا يُتَصَوَّرُ أن المرأة تدع الصلاة أيام الطهر !
وأنشدوا قول ابن الأعرابي في الرجز :
يا رُبَّ حاسدٍ عَليَّ باغضٍ لهُ قروءٌ كقروءِ الحائض
يقول :
رُبَّ إنسان حاسد عليَّ يهيج في فترات ويظهر لي عداوته كما تهيج المرأة في وقت الحيض فظهر بذلك أن القرء حيض
وبهذا قال خلق كثير من سلف الأمة ومن الصحابة .
فممن قال إن القرء حيض :
1- أبو بكر الصديق 2- عمر بن الخطاب 3- عثمان بن عفان
4- عليُّ بن أبي طالب 5- أبو الدرداء 6- عبادة بن الصامت
7- أنس بن مالك 8- عبد الله بن مسعود 9- معاذ بن جبل
10- وأُبيّ بن كعب 11- أبو موسى الأشعري 12- عبد الله بن عباس
13- سعيد بن المسيب 14- وعلقمة 15- والأسود
16- وإبراهيم 17- ومجاهد بن جبر 18- وعطاء
19- وطاوس بن كيسان 20- وسعيد بن جبير 21- وعكرمة
22- ومحمد بن سيرين 23- والحسن 24- وقتادة بن دعامة السدوسي
25- والشعبي 26- والربيع 27- ومقاتل بن حيان
28- والسُّدِّيُّ 29- ومكحول 30- والضَّحاك
31- وعطاء الخرساني
جميع هؤلاء قالوا : الأقراء : الحيض.
وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه وأصح الروايتين عن الإمام أحمد بن حنبل
وحكى عنه الأثرم أنه قال :
( الأكابر من أصحاب رسول الله ? يقولون : الأقراء : الحيض . وهو مذهب الثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى وابن شبرمة والحسن بن صالح بن حي وأبي عبيد وإسحاق بن راهوية
ويؤيد هذا ما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي من طريق المنذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش
أن رسول الله ? قال لها : « دعي الصلاة أيام أقرائك »
وأستأنف فى المقال التالى تتمة النوضوع إن شاء الله تعالى