وما ذا بعد؟إن القومية العربية، على الرغم من الهزائم المتكررة على مدى القرنين
الماضيين، وعلى الرغم من أنها قد تم محاولات خفض توقعات
الناس لها إلى مجرد "أحلام يقظة"، أو "يوتوبيا" ماضوية،
قد نجت من الموت، ولسبب بسيط هو أنها عقدت ناصيتها
على الكتلة الشعبية وليس على الحكومات. وقد نجت ليس
بسبب الأيديولوجيات التي حاولت بعثها، بل بسبب الطبيعة
الأصلية جدا لجذورها. فقد ثبت، بما لا يدع مجالا للشك
، أن جميع الشعوب العربية تتوق للوحدة الجامعة، ليس فقط
الوحدة، في مستوى مفهومها النخبوي الرسمي، التي تعني التقارب
والتعاون في حدوده الرسمية الشكلية ومردوداته المتواضعة،
والتي تعني ضمنا مؤسسات الدول القُطْرية، كالجامعة العربية
وغيرها. ولكن الوحدة التي تنسجم مع رغبة هذه الجماهير
المشتركة في المضي قُدُمَاً، ومَعَاً، في التعامل الأفضل مع جميع
المعطيات ومواجهة كل التحديات الماثلة، والتي لا يمكن حلها
إلا على أساس مشترك، لأنها تهدد الوجود وتتوعد المصير.
لا يهم كثيرا إذا كان هدف القومية العربية هو واقعي أم لا،
لأن هذا لم يعد هو القضية الرئيسية، التي تشغل الرأي العام العربي.
إنما القضية الحقيقية هي أن يؤخذ هذا الهدف على محمل الجد
من قبل الجماهير العربية التي نعتقد أن الوحدة هي الحل لجميع
الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، التي تواجه الدول
والشعوب العربية. وبعبارة أخرى، فإن مفهوم الأمة العربية
ومفهوم القومية العربية يمثلان حقيقة قوية بين الجماهير ا
لعربية الثائرة اليوم، لأنهما متجذران في ماضيهم وحاضرهم،
وفي نفوسهم وآمالهم، وفي تطلعهم للمستقبل المشترك.
لقد بحثت هذه المقالة، بقراءة عامة، في مفهوم القومية العربية؛
ماضيها وتجاربها، وكيف أثر هذا المفهوم على السياسة العامة
في الدول العربية. ونظرت إلى ما هو في الحقيقة حراك جماهيري
باتجاه بلوغ الأمة العربية لغاياتها, وبوادر بعث الثورة الشعبية،
التي تجتاح العالم العربي، لفكرة الوحدة بين الشعوب العربية.
وعرضت لعقبات تاريخية حقيقية عطلت تحقيق هذه الوحدة،
ظهر فيها أن هناك ضرورة الآن للتوافق بين الجماهير والقيادات،
والتوفيق بين ضيق المشروع القُطْري وسعة المشروع القومي العربي،
بما يراعي الواقع ويتجاوز التجزئة نحو الاتحاد العربي. وقد بدأ جليا
من قراءة شعارات ومطالب هذه الثورات أنه ينبغي أن يهتم القادة
والزعماء العرب بالقضايا القومية والمصيرية، وأن تراعى الدول
العربية كفالة الحريات الأساسية، وحساسية التعامل مع قضية
الديمقراطية وتداول السلطة. كما ينبغي أن يراعى المشروع العربي
المستقبلي متطلبات العلاقات الإستراتيجية مع الجوار الأفريقي،
والآسيوي، والأوربي
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات