كل عام وأنتِ بقلبى يا أمى

من أجلكِ أنتِ تولدت بداخلى تلك الرغبة الرهيبة فى أن أبحث
عن معنى الأمومة وكأنكِ أنتِ صانعتِها ومُبدعتِها وأول من مارسها 
من أجلكِ أنتِ عرفت وفهمت وتمنيت معنى الأمومة
من أجلكِ أنتِ أيقنت أنها ليست بغريزة مزروعة بداخل كل أنثى 
ولكنها هبة من الله يهبها فقط لمن تستحقها
يقيناً أنتِ لستِ بأعظم الأمهات ولا أكثرهُن تضحية وإيثاراً
وبطولة ولكنك أنتِ ...أمى
فأرجو أأخواتى أن تُسامحو تحيزى وإنحيازى لها
فهى ليست الأم .. ولا الأمومة
ولكنها أمى أنا

فعندما أشرع فى التحدث عنها فإنما أتحدث عن أصل وجودى 
وعوامل تكوينى وسر بقائى وإستمرارى
لن أقول أنها حملتنى فى بطنها وإحتملت الآلام والأوجاع حتى
يوم ولادتى وإنفصالى عن جسدها ولا أنها تعهدت بإطعامى
ونظافتى والمحافظة على سلامتى ولا بالسهر بجانبى عند
مرضى لا لن أقول كل هذا
فهذا شأن كل الأمهات وصنيعهن مع أولادهن 
المعجزة الحقيقية حدثت عندما تخطيت كل هذه المراحل 
المعجزة حدثت حينما بدأت تعلمُنى (فنُ الحياة)

لم تكن أمى من تلك الامهات اللاتى
لا يكففن عن إسداء النصح لإبنائهن .. 
لم تكن مُلقنة أو مُعلمة لأى فضيلة تريد أن تزرعها بداخلى
ولكنها كانت تفعل الفضيلة لأقتدى أنا بها
كانت تصدُق ... لأكون أنا صادقة
كانت محترمة لاعرف أنا معنى إحترام النفس
وعدم إبتزالها فى صغائر الأمور
كانت دؤوبة متفانية فى عملها لأعرف معنى الإخلاص
والتفانى فى العمل
كانت رقيقة حانية عطوفة لتعلمنى 
كيف أزرع بداخلى أجمل صفات المرأة وأهمها
لا أدعى أبداً أنها كانت إنسانة كاملة مُنزهه عن أى خطأ
أو نقيصة ولكن ظنى أنها قررت أن تكمُل حينما أنجبت....!!!
هكذا صنعت الأمومة بها أو صنعت هى فى الأمومة (لا أدرى) 
ولكنها حينما رُزِقت الأبناء أرادت أن تكون مثالاً يُحتذى به
لأبنائها فى كل شئ وليست مجرد مربية تقوم بتنشئة أطفال
تخلوا نفوسهم وأرواحهم من كل معانى الإنسانية والقيم النبيلة 

آآآه يا أمى ....!!!!
تمُر السنوات ... سنوات فراقنا
وما أشعره نحو تلك السنوات حقاً غريب...!!!
فتارة يهزمنى الحزن وتعصِفُ بى الذكريات بمرارتها 
وشجونها التى لا تنتهى وانا أتامل عدد هذه السنين وطولها
وتارة تتملكنى سعادة غريبة وانا اتخيل أن هذه السنوات
ماهى إلا فترة زمنية تفصلنا عن لقائنا المرتقب 
تطول .. لتعجل باللقاء ... لتعجل باللقاء...!!!!
أفتقد ... بسماتك وضحكاتك
التى كانت تملأ حياتى كلها أُنس وفرح 
أفتقد ...رنين صوتك المحبب إلى قلبى 
أفتقد غضباتك ونظراتك المعاتبة اللوامة
حينما يصدُر منى خطأ ما
وكأنما غضبك هذا هو الضمير اليقظ الذى يُقرعُنىِ
ويوجهنى دوماً للصواب
أفتقد ...فيكى حلمى بالامان 
والذى كنتِ تحققيه كل لحظة بوجودك وبحضورك المشرق
الأخاذ فقد كنتِ شاطئ أمنى وأشجعُ مُنقذىِّ

أفتقدك ... وأفتقد معكِ روحى الشابة 
التواقة للحب الحياة 
أفتقد تشجيعك الملئ بالإيمان بى وبقدراتى
وبأننى أستطيع ... دوماً أستطيع ....!!!
لا ... لم تغيبى عنى... ولا عن حياتى
فقط... رحل جسدُكِ الطاهر
وبقيت رُوحك الأطهر تسكن الوجدان وحنايا القلب 
وكل جارحة من جوارحى
بقيت تُؤنسُنى وتُبدد وحشة الأيام بعدك 
بقى مازرعتيه فى يُشعِرُنى بالفخر بأننى إبنتك وقطعة منكِ
اليوم ليس يوم رحيلك 
بل هو يوم ميلادك 
فـ فكل عام وانتِ بقلبى يا أمى
رحمكِ ربى وأسكنك فسيح جناته 
وأدعو الله ان يجمعنى بكِ فى مستقر رحمته