14-أتشرف وأتقرب إلى الله عز وجل بتقديم قبسات ونفحات من هديه صلى الله عليه وسلم فى الصيام (14)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتشرف وأتقرب إلى الله عز وجل
بتقديم قبسات ونفحات
من هديه صلى الله عليه وسلم فى الصيام
وادعوكم معى للتحليق الى آفاق رحبة مع تلك النفحات الربانية
مع رسوله وحبيبه وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم
من خلال هديه صلى الله عليه وسلم –فى الصيام-
كتاب زاد المعاد فى هدى خيرالعباد
لشيخ الاسلام
ابن قيم الجوزية691-751هجرية
2-تتمة:
فصل:
في هَدْيه صلى الله عليه وسلم في صيام التطوع
والجواب عن هذه الإشكالات المذكورة فى المقال السابق هى بعون اللَّه وتأييدِه وتوفيقه:
أما الإشكالُ الأول:
وهو أنَّه لما قَدِمَ المدينة، وجدهم يصُومون يومَ عاشوراء،
فليس فيه أن يومَ قدومِه وجدَهم يصومُونه،
فإنه إنما قَدِمَ يومَ الاثنين في ربيع الأول ثانى عشرة،
ولكن أول علمه بذلك بوقوع القصة في العام الثانى الذي كان بعد قدومه المدينة،
ولم يكن وهو بمكة،
هذا إن كان حسابُ أهل الكتاب في صومه بالأشهر الهلالية،
وإن كان بالشمسية، زال الإشكالُ بالكلية،
ويكونُ اليومُ الذي نجى اللَّه فيه موسى هو يوم عاشوراء من أول المحرَّم،
فضبطه أهلُ الكتاب بالشهور الشمسية،
فوافق ذلك مقدَم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة في ربيع الأول،
وصومُ أهلِ الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس،
وصومُ المسلمين إنما هو بالشَّهر الهلالى، وكذلك حَجُّهم، وجميع ما تُعتبر له الأشهر من واجب أو مُستحَبٍّ،
فقال النبى صلى الله عليه وسلم:
(نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم)،
فظهر حكمُ هذه الأولوية في تعظيم هذا اليوم وفى تعيينه،
وهم أخطؤوا تعيينه لدورانه في السنة الشمسية،
كما أخطأ النصارى في تعيين صومهم بأن جعلوه في فصل من السنة تختلِف فيه الأشهر .
وأما الإشكال الثانى:
وهو أن قريشاً كانت تصومُ عاشوراء في الجاهلية،
وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصُومُه،
فلا ريبَ أن قريشاً كانت تُعظِّم هذا اليوم، وكانوا يكسُون الكعبة فيه، وصومه من تمام تعظيمه،
ولكن إنما كانوا يعدُّون بالأهلة،
فكان عندهم عاشِرَ المحرَّم،
فلما قَدِمَ النبى صلى الله عليه وسلم المدينة، وجدهم يُعظِّمون ذلك اليوم ويصومونه،
فسألهم عنه، فقالوا:
هو اليومُ الذي نجَّى اللَّه فيه موسى وقومَه من فرعون،
فقال صلى اللَّه عليه وسلم:
(نحن أحقُّ منكم بموسى)،
فصامه وأمر بصيامه تقريراً لتعظيمه وتأكيداً،
وأخبر صلى اللَّه عليه وسلم أنَّه وأُمَّتَه أحقُّ بموسى من اليهود،
فإذا صامه موسى شُكراً للَّه،
كنا أحقَّ أن نقتدى به من اليهود،
لا سيما إذا قلنا:
شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يُخَالِفْهُ شَرْعُنَا .
فإن قيل:
من أين لكم أن موسى صامه؟
قلنا:
ثبت في الصحيحين
أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما سألهم عنه، فقالوا:
يوم عظيم نجَّى اللَّه فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً للَّه، فنحن نصومه،
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
(فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُم).
فَصَامَهُ، وأَمر بصِيامِه،
فلما أقرَّهم على ذلك، ولم يُكذبهم،
عُلِمَ أن موسى صامه شكراً للَّه، فانضمَّ هذا القدرُ إلى التعظيم الذي كان له قبل الهجرة، فازداد تأكيداً
حتى بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منادياً يُنادى في الأمصار بصومه، وإمساك مَن كان أكل،
والظاهر:
أنه حتَّم ذلك عليهم، وأوجبه كما سيأتى تقريره .
والى التتمة فى المقال التالى ان شاء الله تعالى.