16-اتشرف بتقديم قبسات من هدى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فى الصيام
(16)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتشرف وأتقرب إلى الله عز وجل
بتقديم قبسات ونفحات
من هديه صلى الله عليه وسلم فى الصيام
وادعوكم معى للتحليق الى آفاق رحبة مع تلك النفحات الربانية
مع رسوله وحبيبه وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم
من خلال هديه صلى الله عليه وسلم –فى الصيام-
كتاب زاد المعاد فى هدى خيرالعباد
لشيخ الاسلام
ابن قيم الجوزية691-751هجرية
4--تتمة:
فصل:
في هَدْيه صلى الله عليه وسلم في صيام التطوع
وأما الإشكال الرابع:
وهو أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:
(لئِن بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ)،
وأنه توفى قبل العام المقبل،
وقول ابن عباس :
إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يصوم التاسع،
فابن عباس روى هذا وهذا، وصحَّ عنه هذا وهذا، ولا تنافى بينهما،
إذ من الممكن أن يصومَ التاسِعَ،
ويخبر أنه إن بقى إلى العام القابل صامه،
أو يكون ابنُ عباس أخبر عن فعله مستنداً إلى ما عزم عليه، ووعد به،
ويصِحُّ الإخبارعن ذلك مقيداً،
أى: كذلك كان يفعل لو بقى، ومطلقاً إذا علم الحال، وعلى كل واحد من الاحتمالين،
فلا تنافى بين الخبرين .
وأما الإشكال الخامس: فقد تقدَّم جوابه بما فيه كفاية .
وأما الإشكال السادس:
وهو قول ابن عباس:
اعدُدْ وأصبح يوم التاسع صائماً .
فمَن تأمل مجموع روايات ابن عباس،
تبيَّن له زوالُ الإشكال، وسعةُ علم ابن عباس،
فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليومَ التاسع،
بل قال للسائل:
صُمِ اليوم التاسع، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليومُ العاشر الذي يعدُّه الناسُ كلُّهم يومَ عاشوراء،
فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه،
وأخبر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يصومُه كذلك .
فإما أن يكون فِعلُ ذلك هو الأَوْلى، وإما أن يكون حَمْلُ فعله على الأمر به، وعزمه عليه في المستقبل،
ويدلّ على ذلك
أنه هو الذي روى:
(صُومُوا يوماً قبله ويوماً بعده)،
وهو الذي روى:
أمرنا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء يوم العاشر .
وكل هذه الآثار عنه، يُصدِّقُ بعضُها بعضاً، ويُؤيِّد بعضُها بعضاً .
فمراتب صومه ثلاثة:
أكملُها:
أن يُصام قبله يومٌ وبعده يومٌ،
ويلى ذلك
أن يُصام التاسع والعاشر،
وعليه أكثرُ الأحاديث،
ويلى ذلك
إفرادُ العاشر وحده بالصوم .
وأما إفراد التاسع،
فمن نقص فهم الآثار، وعدمِ تتبع ألفاظها وطرقها،
وهو بعيد من اللغة والشرع،
واللَّه الموفق للصواب .
وقد سلك بعضُ أهل العلم مسلكاً آخر فقال:
قد ظهر أن القصدَ مخالفةُ أهل الكتاب في هذه العبادة مع الإتيان بها،
وذلك يحصلُ بأحد أمرين:
إما بنقلِ العاشر إلى التاسع، أو بصيامِهما معاً .
وقوله: (إذا كان العامُ المقبلُ صُمنا التاسِع):
يحتمِل الأمرين .
فتوفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل أن يتبيَّن لنا مرادُه،
فكان الاحتياطُ صيامَ اليومين معاً،
والطريقة التي ذكرناها، أصوبُ إن شاء اللَّه،
ومجموع أحاديثِ ابن عباس عليها تدلُّ،
لأن قوله في حديث أحمد:
(خالِفوا اليًَهُودَ، صُومُوا يَوْماً قَبْلَهُ أَوْ يَوْماً بَعْدَهُ)،
وقوله في حديث الترمذى:
(أُمِرْنَا بِصِيامِ عاشوراء يوم العاشر)
يبين صحة الطريقة التي سلكناها . واللَّه أعلم .