الطبري ... إمام المفسرين وشيخ المؤرخين
هو واحد من أكبر علماء الإسلام، لمع اسمه في القرن الثالث الهجري، واشتهر بغزارة العلم والمعرفة، فهو الفقيه المجتهد، وإمام المفسرين ، والمؤرخ الذي قدم أشهر كتاب في علم التاريخ الإسلامي، إنه العالم الكبير "ابن جرير الطبري".
· المولد والنشأة :
ولد "أبو جعفر محمد بن جرير الطبري"، في بلدة تسمى "آمل" بطبرستان من بلاد "فارس" "إيران" سنة (224 ﻫ = 839 م)، ونشأ في أسرة ميسورة الحال، وحرص أبوه على تعليمه وتثقيفه، فحفظ القرآن في السابعة من عمره، وكتب الحديث وهو ابن تسع سنين .
نشأ "ابن جرير الطبري" محبًّا للعلم والمعرفة، وأدرك وهو في سن مبكرة أن بلدته لا تُرضِي طموحه العلمي، فرحل وهو في الثانية عشره من عمره في طلب العلم، فسافر إلى "الرى" بإيران الآن، وزار بعض مدنها، والتقى هناك بعلمائها، وتتلمذ عليهم من أمثال: "أحمد بن حماد الدولابى"، و"ابن حميد الرازى"، وهما من كبار المحدثين .
· السفر إلى مراكز الثقافة :
ولم يكتف "الطبري" بما تعلمه وعرفه في بلاد "الري"، فسافر إلى "الكوفة" التي كانت تمتلئ مساجدها بحلقات العلم في مختلف فنون العلوم الشرعية واللغوية، فدرس القراءات القرآنية على يد "سليمان بن خلاد الطلحى"، وتلقى الحديث النبوى على يد المحدث المعروف "أبى كريب محمد بن العلاء الهمدانى" الذي قربه إليه، واعتنى به، لما رأى فيه من نبوغ مبكر وحرص على المذاكرة وطلب العلم، وقد أخذ "الطبري" عن شيخه "أبى كريب" ما يقرب من مائة ألف حديث .
ثم رحل الطبرى إلى "بغداد" عاصمة الخلافة العباسية ومركز الثقافة العربية آنذاك وانكب على طلب العلم والمعرفة، فدرس الفقه الشافعي، ثم انتقل إلى "الشام"، وبعدها انتقل إلى "مصر" سنة (253 ﻫ) ، وهو في نحو الثلاثين من عمره بعد رحلة طويلة وشاقة في طلب العلم .
وفى "مصر" التقى بعلمائها الكبار وتتلمذ على أيديهم من أمثال : "أبى الحسن السراج المصري"، و"يونس بن عبد الأعلي الصفدى" شيخ القراء في عصره، و"الربيع بن سليمان" كبير فقهاء مصر وتلميذ الإمام الشافعى، وقد امتحنه هؤلاء العلماء وأقروا له بالعلم الوافر والثقافة الواسعة .
· الاستقرار في "بغداد" :
وبعد هذه الرحلة الشاقة في طلب العلم والتتلمذ على يد العلماء رجع إلى "بغداد" واستقر بها، وبنى لنفسه دارًا، وتفرغ تمامًا للعلم والتدريس، فقسم وقته بين العبادة والتدريس والتأليف .
وبلغ الطبرى من الهمة والإصرارعلى الكتابة والتأليف أنه كان يكتب في كل يوم أربعين ورقة، وقد ظل مواظبًا على ذلك أربعين سنة، لا يشغله عن ذلك طلب الرزق والمعاش؛ لأنه كان غنيًّا ميسور الحال، وقد قدم الطبرى للمكتبة الإسلامية مؤلفات ضخمة ومهمة، لا يزال يرجع الناس إليها ويستفيدون منها حتى وقتنا الحاضر .
· إنتاجه العلمي :
وقد برع الإمام "الطبري" في كثير من فروع الثقافة الإسلامية العربية، كالتفسير والحديث والتاريخ والفقه والقراءات واللغة والأدب، لكنه تفوق تفوقًا كبيرًا في ثلاثة علوم، هي التفسير والتاريخ والفقه وقدم للمكتبة العربية كتابين من أهم كتب الثقافة الإسلامية، وأكبرها حجمًا، هما:
- "جامع البيان فى تفسير القرآن"، المعروف باسم " تفسير الطبري" وهو من أكبر كتب التفسير وأشهرها ولا يستغني عنه كل من يتعرض لفهم معاني القرآن الكريم ، وقد أملاه "الطبري" على تلاميذه خلال ثماني سنوات، وكان قد بدأ في تأليفه سنة (283 ﻫ)، وانتهى منه سنة (290 ﻫ) والكتاب مطبوع فى ثلاثين جزءًا وهومتداول الآن بين طلبة العلم كما أنه موجود فى دور العلم و فى المكتبات العامة و الجامعات .
- "تاريخ الأمم والملوك"، المعروف باسم "تاريخ الطبري"، يتناول التاريخ منذ بدء الخليقة وهبوط "آدم" إلى الأرض كما يتناول قصص الأنبياء والرسل، والأمم السابقة بالإضافة إلى تناوله لتاريخ الإسلام منذ عهد الرسول -صلى الله عليه و سلم- حتى سنة (203 ﻫ) والكتاب مطبوع فى أكثر من عشرة مجلدات كما ترجم إلى عدة لغات أخرى، وهو من أهم المصادر التى يرجع إليها الباحثون وطلبة العلم في معرفة تاريخ الإسلام في القرون الثلاثة الهجرية الأولى، وقد استفاد من هذا الكتاب كل من كتب في التاريخ الإسلامي حتى يومنا هذا .
· شخصية الإمام "الطبري" :
عرف الإمام "الطبري" بالجد والمثابرة والالتزام سواء في طلب العلم، حيث طاف وهو صبى صغير ببلدان كثيرة، أو فى التأليف حيث ألزم نفسه بكتابة أربعين ورقة في كل يوم، وهذا ما يفسر ضخامة الكتب التى ألفها.
وإلى جانب هذه الجدية في العلم كان "الطبري" لطيفًا ودودًا ، ظريفًا مع إخوانه، متفقدًا لأحوالهم، معتنيًا بمظهره وشكله، في غاية النظافة وحسن الصورة، وكان يتعامل مع تلاميذه بالرفق واللين والمحبة، ولا يخص أحدًا من تلامذته بشيء من علمه دون غيره .
· وفاته :
وظل "ابن جرير الطبري" في "بغداد" مواظبًا على التدريس والتأليف، يقدره الخلفاء والولاة، ويحظى بمنزلة رفيعة ومكانة عالية حتى توفى في شهر شوال سنة (310 ﻫ)، واجتمع في جنازته أعداد ضخمة من الناس ودفنوه وسط مشاعر من الحزن والأسى .
· "ابن جرير الطبري" في سطور :
- ولد في بلدة "آمل" بطبرستان سنة (224 ﻫ) .
- تلقى العلم صغيرًا، وظهرت مواهبه مبكرًا؛ فحفظ القرآن والحديث .
- بدأ وهو في الثانية عشرة من عمره رحلة طويلة في طلب العلم، فرحل إلى "الري" و"بغداد" و"الكوفة" و"الشام" و"مصر" .
- استقر في "بغداد"، وتفرغ للتأليف والتدريس .
- برع "الطبرى" فى فروع مختلفة من الثقافة الإسلامية، فى الفقه والحديث والتفسير.
- ترك الطبري مؤلفات كثيرة في الفقه والتفسير والتاريخ والقراءات .
- أشهر كتبه : تفسير الطبري، وتاريخ الطبري .
- توفى ببغداد سنة (224 ﻫ) .