طارق بن زياد "طارق بن زياد"
من القادة
البارزين الذين سجلوا أسماءهم في صفحات تاريخ المسلمين المجيدة، مثل "خالد
بن الوليد" و"سعد بن أبى وقاص" و "عمرو بن العاص" ، و"صلاح الدين الأيوبي"
و"محمد الفاتح" .
وعلى يد "طارق بن زياد" قامت دولة للمسلمين في
بلاد "الأندلس" المعروفة الآن بإسبانيا و"البرتغال" ، وقد ظلت تلك الدولة
قائمة هناك ثمانية قرون .
هذا البطل العظيم ليس من أصل عربي ،
ولكنه من أهالي البربر الذين يسكنون بلاد "المغرب" العربي ، وكثير من هؤلاء
البربر دخل في الإسلام ، منهم "عبد الله" جد "طارق بن زياد" ، وهو أول اسم
عربي إسلامي في نسبه ، أما باقي أجداده فهم من البربر الذين يتميزون
بالطول واللون الأشقر .
· بدايته :
نشأ
"طارق بن زياد" مثلما ينشأ الأطفال المسلمون ، فتعلم القراءة والكتابة
وحفظ سورًا من القرآن الكريم وبعضًا من أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم-
، ثم ساعده حبه للجندية في أن يلتحق بجيش "موسى بن نصير" أمير "المغرب" ،
وأن يشترك معه في الفتوح الإسلامية ، وأظهر شجاعة فائقة في القتال ، ومهارة
كبيرة في القيادة لفتت أنظار"موسى بن نصير" ، فأعجب بمهاراته وقدراته ،
واختاره حاكمًا "طنجة" المغربية التي تطل على البحر المتوسط .
التفكير في فتح بلاد "الأندلس" :
كانت بلاد "الأندلس" يحكمها ملك ظالم يدعى " لذريق" ، كرهه الناس وفكروا
في خلعه من الحكم والثورة عليه بالاستعانة بالمسلمين الذي يحكمون الشمال
الإفريقي بعد أن سمعوا كثيرًا عن عدلهم ، وتوسط لهم الكونت "يوليان" حاكم
"سبتة" القريبة من "طنجة" في إقناع المسلمين بمساعدتهم ، واتصل بطارق بن
زياد يعرض عليه مساعدته في التخلص من "لذريق" حاكم الأندلس ، وقد رحب
"طارق" بهذا الطلب ، ووجد فيه فرصة طيبة لمواصلة الفتح والجهاد ، ونشر
الإسلام وتعريف الشعوب بمبادئه السمحة ، فأرسل إلى "موسى بن نصير" أمير
"المغرب" يستأذنه في فتح "الأندلس" ، فطلب منه الانتظار حتى يرسل إلى خليفة
المسلمين "الوليد بن عبد الملك" بهذا العرض ، ويستأذنه في فتح "الأندلس"
ويشرح له حقيقة الأوضاع هناك ، فأذن له الخليفة ، وطلب منه أن يسبق الفتح
حملة استطلاعية يكشف بها أحوال "الأندلس" قبل أن يخوض أهوال البحر .
حملة "طريف" الإستطلاعية :
واستجابة
لأمر الخليفة بدأ "طارق" يجهز حملة صغيرة لعبور البحر المتوسط إلى
"الأندلس" بقيادة قائد من البربر يدعى "طريف بن مالك" ، وتضم خمسمائه من
خير جنود المسلمين وذلك لاستكشاف الأمر ومعرفة أحوال "الأندلس" ، وتحركت
هذه الحملة في شهر رمضان من سنة (91 ه = يوليو 710 م) فعبرت في أربع سفن
قدمها لها الكونت "يوليان" ، ونزلت هناك على الضفة الأخرى في منطقة سميت
بجزيرة "طريف" نسبة إلى قائد الحملة ، وقامت هذه الحملة الصغيرة بدراسة
البلاد وتعرفوا جيدًا عليها ، ولم تلق هذه الحملة أية مقاومة وعادت بغنائم
وفيرة.
· حملة "طارق بن زياد" :
وقد
شجعت نتيجة هذا الحملة أن يقوم "طارق بن زياد" بالاستعداد لفتح بلاد
"الأندلس" ، وبعد مرور أقل من عام من عودة حملة "طريف" خرج "طارق بن زياد"
في سبعة آلاف جندي معظمهم من البربر المسلمين ، وعبر مضيق البحر المتوسط
إلى " الأندلس" ، وتجمع المسلمون عند جبل صخري عرف فيما بعد باسم جبل
"طارق" في (5 من شهر رجب 92 ه = 27 من إبريل 711 م) .
وأقام "طارق"
بتلك المنطقة عدة أيام ، وبنى بها حصنًا لتكون قاعدة عسكرية بجوار الجبل ،
وعهد بحمايتها إلى طائفة من جنده لحماية ظهره في حالة اضطراره إلى
الانسحاب .
ثم سار "طارق بن زياد " بجيشه مخترقًا المنطقة المجاورة
بمعاونة الكونت "يوليان" ، وزحف على ولاية "الجزيرة الخضراء" واحتل قلاعها
، وفى أثناء ذلك وصلت أنباء الفتح إلى أسماع "لذريق" ، وكان مشغولاً
بمحاربة بعض الثائرين عليه في الشمال ، فترك قتالهم ، وأسرع إلى "طليطلة"
عاصمة بلاده ، واستعد لمواجهة جيش المسلمين .
كان "طارق بن زياد"
قد سار بجيشه شمالاً إلى "طليطلة" وعسكرت قواته في سهل واسع ، يحدها من
الشرق نهر "وادي لكة" ، ومن الغرب نهر "وادي البارباتى" ، وفى الوقت نفسه
أكمل "لذريق" استعداداته ، وجمع جيشًا هائلاً بلغ مائة ألف مقاتل مزودين
بأقوى الأسلحة ، وسار إلى الجنوب للقاء المسلمين ، وهو واثق كل الثقة من
تحقيق النصر .
ولما علم "طارق" بأنباء هذه الحشود بعث إلى "موسى بن
نصير" يخبره بالأمر ، ويطلب منه المدد ، فبعث إليه بخمسة آلاف جندي من
خيرة الرجال ، وبلغ المسلمون بذلك اثني عشر ألفًا.
· اللقاء المرتقب :
رحل
"لذريق" إلى بلدة "شذونة" وأتم بها استعداداته ، ثم اتجه إلى لقاء
المسلمين ، ودارت بين الفريقين معركة فاصلة بالقرب من "شذونة" وكان اللقاء
قويًّا ابتدأ في
(28 من رمضان 92 ﻫ = 18 من يوليو 711م ) وظل
مستمرًّا ثمانية أيام ، أبلى المسلمون خلالها بلاء حسنًا ، وثبتوا في أرض
المعركة كالجبال رغم تفوق عدوهم في العدد والعدة ، ولم ترهبهم قوته ولا
حشوده ، وتفوقوا عليه بالإعداد الجيد ، والإيمان القوى ، والإخلاص لله،
والرغبة في الشهادة في سبيل الله.
وتحقق لهم النصر في اليوم الثامن
من بدء المعركة ، وفر "لذريق" آخر ملوك القوط عقب المعركة ، ولم يعثر له
على أثر ، ويبدو أنه فقد حياته في المعركة التي فقد فيها ملكه .
· ما بعد النصر :
وبعد
هذا النصر العظيم طارد "طارق بن زياد" فلول الجيش المنهزم ، وسار بجيشه
يفتح البلاد ، ولم يجد مقاومة عنيفة في سيرة تجاه الشمال ، وفى الطريق إلى
"طليطلة" عاصمة القوط كان "طارق" يرسل حملات عسكرية صغيرة لفتح المدن ، مثل
"قرطبة" ، و"غرناطة" و"ألبيرة" و"مالقة" .
وواصل "طارق" سير
شمالاً مخترقًا هضاب "الأندلس" حتى دخل "طليطلة" بعد رحلة طويلة شاقة بلغت
أكثر ما يزيد على (600) كيلومتر عن ميدان المعركة التي انتصر فيها .
ولما
دخل "طارق" مدينة "طليطلة" أبقى على من ظل بها من السكان ، وأحسن معاملتهم
، وترك لهم كنائسهم , وتابع زحفه شمالاً حتى وصل إلى خليج "بسكونيه" ، ثم
عاد ثانية إلى "طليطلة" ، وكتب إلى "موسى بن نصير" يحيطه بأنباء هذا الفتح
وما أحرزه من نصر ، ويطلب منه المزيد من الرجال والعتاد لمواصلة الفتح ونشر
الإسلام في تلك المناطق وتخليص أهلها من ظلم القوط .
· "موسى بن نصير" والمشاركة في فتح "الأندلس" :
كان
"موسى بن نصير" يتابع سير الجيش الإسلامي بقيادة "طارق بن زياد " في
"الأندلس" ، وأدرك أنه في حاجة إلى عون ومساندة ، بعد أن استشهد كثير من
المسلمين في المعارك التي خاضوها ، فعبر إلى "الأندلس" في ثمانية عشر ألف
جندي في (رمضان 93 ﻫ = يونيه 712 م) ، وسار بجنوده في غير الطريق الذي سلكه
"طارق بن زياد" ، ليكون له شرف فتح بلاد جديدة ، حتى وصل إلى "طليطلة"
والتقى بطارق بن زياد .
وبعد أن استراح القائدان قليلاً في
"طليطلة" عاودا الفتح مرة ثانية ، وافتتحا "سرقسطة" و"طركونة" و"برشلونة"
وغيرها من المدن ، ثم افترق الفاتحان ، وسار كل منهما في ناحية حتى أتما
فتح "الأندلس" .
· العودة إلى "دمشق" :
بينما
القائدان يفتحان البلاد وصلت رسالة من الخليفة "الوليد بن عبد الملك"
يأمرهما فيها بالتوقف عن الفتح ، والعودة إلى "دمشق" لتقديم بيان عن أخبار
الفتح، وكان القائدان قد نظما شئون البلاد، واتخذا من "إشبيلية" عاصمة
جديدة للأندلس لقربها من البحر .
وبعد ذلك غادر القائدان
"الأندلس" وواصلا السير إلى "دمشق" عاصمة الدولة الأموية ، فوصلاها بعد
تولية "سليمان بن عبد الملك" الخلافة بعد وفاة أخيه "الوليد"، وقدما له
تقريرًا وافيًا عن الفتح ، فاستبقاهما الخليفة إلى جواره وأقام "طارق بن
زياد" هناك ، مكتفيًا بما حققه من فتوحات عظيمة خَّلدت اسمه بين الفاتحين
العظام من المسلمين .
· شخصية "طارق بن زياد" :
كان "طارق بن زياد" قائدًا عظيمًا استطاع بإيمانه وصبره وعزيمته وإصراره أن يصل إلى هذه المكانة العظيمة .
ونجح
في تحقيق هذه الانتصارات لأنه كان يفكر في كل خطوة يخطوها ، ويتأنى في
اتخاذ القرار، ويجمع المعلومات قبل التحرك ، فقبل أن يعبر إلى "الأندلس"
أرسل حملة استطلاعية كشفت له أحوال "الأندلس" .
كما كان مؤمنا صادق
الإيمان على يقين من نصر الله حتى في أحرج الأوقات ، فظل ثمانية أيام
يحارب عدوه في لقاء غير متكافئ من حيث العدد والعدة ، لكنه تمكن من تحقيق
النصر في النهاية بفضل الله تعالى .
· "طارق بن زياد" في سطور:
- قائد عظيم من أصول غير عربية ، فهو من أبناء قبائل البربر في بلاد "المغرب" التي فتحها المسلمون .
- مكنته مواهبه العسكرية من الترقى في جيش "موسى بن نصير" حتى وصل إلى أرفع المناصب .
- ولاه "موسى بن نصير"إمارة مدينة "طنجة" تقديرًا لكفاءته .
- اتصل به الكونت "يوليان" وطلب منه المساعدة في فتح "الأندلس" وتخليص أهلها من ظلم القوط .
- عبر "طارق بن زياد" بجنوده البحر المتوسط إلى بلاد "الأندلس" ، وتجمعوا عند جبل لا يزال يعرف إلى الآن بجبل طارق .
- دخل في معركة حاسمة مع "لذريق" ملك القوط في "شذونة" ، ونجح في تحقيق نصر عظيم بعد ثمانية أيام من القتال العنيف .
- نجح بعد ذلك في مواصلة الفتح والاستيلاء على "طليطلة" عاصمة القوط .
- ذهب إليه "موسى بن نصير" ، وقام القائدان باستكمال فتح "الأندلس" .
-
بعد إتمام الفتح ذهب إلى "دمشق" حيث مقر الخلافة الأموية ، وقدم تقريرًا
عن الفتح للخليفة الأموي ، وأقام هناك ولم يعد لمواصلة الفتح .